الصفحة العربية الرئيسية

الثلاثاء، ديسمبر 18، 2012

محكمة الجنايات الدولية - الحاضر الغائب في مأساة سوريا



( وحاجة النظام الدولي للإصلاح )
محكمة الجنايات الدولية وهي مؤسسة قانونية حديثة الإنضمام لمؤسسات المجتمع الدولي, من إسمها وتخصصها تبدو الكيان الأكثر اهلية لتعزيز ثقة الإنسان العادي (حول العالم) في وجود مجتمع دولي ذي مؤسسات متماسكة وضرورة إنتماء كل الدول لهذه المؤسسات من اجل ضمان حماية الإنسان الفرد كأولوية قصوى يتجاوز واجب ادائها كل الحدود والنظم الوطنية، وهو ما يشكل جوهر إختصاصها كونه إنساني عالمي وتكميلي، ومن جهة اخرى فهي احد الأجسام المؤسساتية المهمة التي تدعم الخط الفكري للرأسمالية الغربية الساعي لربط العالم كله بمؤسسات تصب في مصلحة نظام عالمي ظل يبشر به منظرو الغرب على انه النهاية الحتمية والوحيدة لصراع البشرية من اجل نيل حقوقها والإعتراف بكرامتها بشكل ينبي حتى بنهاية التاريخ تحت مظلة نظام هذا النظام الذي يشترك في اقتصاد سوق واحدة ونظرية سياسية واحدة في إطار ليبرالي.
مساعي الغرب والأمريكيين لحسم الصراع لصالح الديموقراطية الليبرالية بحسبانها اسمى ما يصبو إليه إنسان من اجل تحقيق كرامته والتي يرى الفيلسوف هيقل انها (الكرامة) تبرر تضحيته بكل المكتسبات المادية المتمثلة في ذات وجوده المادية من اجل تحقيقها وهي لا تعدو كونها شعور مجرد (الثيموس) كما يعرفها اليونانيون, فهي تتحقق لدرجة التلاشي, أو عدم الحاجة لذكرها في مجتمع ديموقراطي يضمن لمتساكنيه المساواة الكاملة في كل الحقوق ويوفر لهم غاية اسباب الرفاه بشكل تنتفي معه حاجة المرء للإعتراف القديم بكافة وجوههه (كرامته).
هذه الكرامة المشتركة او لنقل المساواة التي قدر لها ان تحسم كل حاجة لإستنفار مفهوم الكرامة, ما كانت لتتحقق لولا التقدم الجوهري في تحقيق مبادي المساواة امام القانون، مما اكسب القانون قدرا كافيا من الإحترام ومن ثم النظام الذي تبنى واطر وحمى هذا القانون.
هذه الحقيقة ظلت غائبة – جوهريا- في كل مراحل تشكيل وتصدير نظام عالمي يقوم على ذات الابجديات لدول العالم الثالث (مخزون الموارد الخام), فبذات القدر الذي يصور به مفكر كبير كفرانسيس فوكوياما المشروعية على انها الإحتياطي الذي تلجأ إليه النظم الديموقراطية عند حدوث الأزمات و الإخفاقات فإن النظم الإستبدادية تفتقر لهذا الرصيد مما يضعها أمام صعوبات قد تعصف بها عند بروز اول اخفاق، نجد ان النظام العالمي يبدو فاقدا لأي مشروعية لدى المواطن العادي في العالم الثالث لأسباب كثيرة ليس اهمها الخلفية التاريخية (الإستعمار) التي شكلت وعيه تجاه العالم الأول, ولكن لرسوخ ممارسات آنية اقتصادية وسياسية تجاه هذا الإنسان لا تقل وحشية عن حقب الإستعمار الصريح وهو بالتالي (أي النظام العالمي) لا يبدو اكثر رحمة من النظم الإستبدادية (الحكومات القطرية) التي يعاني منها.
لذلك فإن محاولة تطويق العالم بمؤسسات دولية شاملة تحد من الفوارق في انظمة الحكم سياسيا واقتصاديا وقانونيا لا تعدو كونها أمرا واقعا مفروضا تقبله بلاد العالم الثالث حكاما ومحكومين بشكل مرحلي دون ان يمثل ذلك القبول إلتزاما أخلاقيا وقانونيا حقيقيا ولا يرجع ذلك للدور الهامشي الذي لعبته هذه الدول في صياغة ذلك النظام ( وهو موضع تفصيل يضيق عنه المقام) ولكن لإهتزاز صورة القانون الدولي وإنعدام المساواة في حقوق الإنسان الفرد امامه, ولا يحتاج المرء لإثبات اهمية  المساواة امام القانون في منحه مشروعيته كقانون, وبذات القدر فإن مشروعية القانون هي التي تمنح المشروعية السياسية والإقتصادية لأي نظام. ولو استثنينا مجلس الأمن الدولي من هذه الرغبة المثالية في رعاية عالم متحضر يحترم الإنسان ابتداءا فإن امتداد الفشل في تحقيق المساواة امام مؤسسة قانونية كمحكمة الجنايات الدولية يعد امرا مخجلا بحق, كيف لا يكون ذلك كذلك وهي قد استحدثت على مبداي السياسة والقانون المتمثل في ولاية مجلس الأمن وهو هيئة سياسية على المحكمة وهي مؤسسة قانونية كمصدر إحالة ملزم في حال توافقت مصالح القوى المكونة له، وسوف لن نحتاح للإستشهاد بحصول الولايات المتحدة الأمريكية على حصانة لجنودها المشاركين في غزو العراق وافغانستان من الملاحقة القانونية ومن ثم المثول امام محكمة جرائم الحرب، عندما تبرز المقارنة الأشهر بين ما أرتكبته آلة القتل الإسرائيلية في فلسطين وما قامت به حكومة السودان من جرائم في دارفور بالتزامن، ثم تأتي سلسلة الجرائم المخجلة التي يرتكبها النظام الحاكم في سوريا وهي الأكثر نطقا بفداحة ما يمكن ان يصمت عنه قانون لو قدرنا ان ذات محكمة الجنايات كانت قد وزعت اتهاماتها مبكرا جدا لعقيد ليبيا وإبنه ورئيس مخابراته جراء ارتكاب والتحريض على ارتكاب جرائم حرب، ولو توخينا الأمانة فإن ما يجري في سوريا يفوق حد المقارنة والوصف قياسا لسرعة تحرك المجتمع الدولي في حسم قرار التدخل ضد العقيد الليبي بمحجة منعه من استخدام الطيران ضد المدنيين وكأن الذي يقصف السوريين اليوم هو ليس بطيران حربي!
ولا يمكن بحال من الاحوال قبول التزرع بعدم قدرة المجتمع الدولي على التحرك جراء الفيتو الروسي إلا على انه دليل فشل آخر للنظام العالمي على كل اصعدته السياسية والقانونية، مما يستدعي البشرية ان تنتظر لعقود طويلة  حتى تبلغ غاية نهاية التاريخ وخاتم البشرية الذي يحلو لفرانسيس فوكوياما، ناهيك عن ارتيابه فيما لو كان الإنسان الغربي ذاته ورغم تحضره المادي الملحوظ قد بلغ تلك الغاية! عليه فإن الإفتراض بأن التاريخ قد لا يعيد نفسه في بربرية جديدة  يشهدها القرن الحادي والعشرون امر لا يتوفر على ضمانات ولو نظرية في كوكب الارض.

ايطاليا- سان جيوفاني انكاريكو
17 . 12. 2012



الاثنين، أغسطس 13، 2012

قوى الهامش والقوى الديموقراطية


مصطلحات الهامش، والتهميش ومن ثم قوى الهامش الخ اصبحت من المصطلحات الأكثر تكرارا وتداولا في معجم السياسة السودانية بحيث لا يخلو منها منبر او ورقة او كتاب إلا ماندر.
نحن ندرك ما لمفهوم الهامش من جذورا تاريخية وموضوعية فرضت على معظم المفكرين والمراقبين وجملة ألوان الطيف السوداني على اختلاف مناهجهم ( إن كان لكثير منهم مناهج) ان يعترفوا بها مع اختلاف وجهات نظرهم  حول ( ما/من) عمق جذور الازمة وادى بها للإنفجار، أهو التراكم الزمني وحده، ام هو اشتداد حدة التهميش الممنهج والمقصود في عهد الإنقاذ الحالي، وهل ان نصيب الإنقاذ من الأزمة هو انها النظام الذي بلغت عنده الأشياء – من حيث التراكم- نهاياتها الزمنية فأنفجرت من تلقاء ذلك، أم أن للإنقاذيين يد طولى في تعميق الأزمة وتوتيرها...
تلك قصة تطول، لا نود بحال من الأحوال الخوض فيها ونكتفي منها بالإشارة لصعود تيار العنصرية في عهد الإنقاذ الأخير ابتداءا من سياسة حكم الدولة ككل، وانتهاءا بدور الحزب الواحد الذي انقلب على الديموقراطية وحكم القانون بحجة إصلاح شؤون البلاد حيث أنتهى به الحال للتشتت والتصدع على خلفيات عنصرية ومناطقية، فانبثق منه اجنحة عانت التهميش والإبعاد داخل الحزب (حزب المؤتمر الوطني) فأختارت الخروج وحمل السلاح تنتصر للمهمشين في أطراف البلاد من بعد ذلك!
لكن ورغم كل ذلك فإن بعض الأصوات بدت تتصدى لشيوع مفهوم التهميش كذهنية مجردة من اجل إسقاطه وتجاوزه، ليس انكارا للظروف التي ادت لظهوره او للحيثيات التي يعبر عنها اليوم، ولكن لإشتراك معظم أقاليم السودان في في جوهر التهميش من ناحية (وقد عبر الدكتور الواثق كمير في ورقته المقدمة في اللقاء التفاكري تحت رعاية  مركز الدوحة للدراسات السياسية والإستراتيجية وتحت عنوان " إسقاط النظام ام... صناعة البديل " عن هذا المعنى بوضوح) ومن ناحية  أخرى، فإن كان التهميش هو تعبير عن الظلم او هو صورة من صور الظلم، فإن كافة اقاليم السودان قد حاق بها الظلم بمعناه الشامل والتهميش جزء من ذلك.
هذه نقطة جوهرية تستحق الوقوف عندها كوننا استفرغنا وسعنا في مطاردة المصطلحات والمفاهيم الفضفاضة حتى انشغلنا بها عن كل جدوى تفكير في واقع الحال وطبيعة المخارج. وحيث انه يصعب مقارنة او اختزال كل قوى البلاد من مفكرين وأكاديميين ورجال أعمال وسياسيين وفنانيين ومجموعات دينية وعلماء دين فيمن اتكأ على مفهوم التهميش واتخذ منه محورا وفكرة ومبررا وبرنامجا لوجود مجموعته او حركته او حزبه او ناشطيه، فإن هذه المجموعة الكبيرة من الطيوف التي ذكرنا من مفكرين وأكاديميين وسياسيين لم يقوموا بواجبهم في تشريح مفهوم التهميش وإلحاقه بجملة قضايا الراهن السياسي السوداني، في حين مجموعات كبيرة منهم استهلكوه حتى فقد كل معنى.
نحن اليوم لدينا حركات مسلحة ومجموعات كثيرة وبعض أحزاب ترتبط  لصيقا بفكرة التهميش وعليه تقوم اطروحتها النظرية، والسؤال هو، لو ان اهل السودان جميعهم جلسوا وشرعوا في  حلحلة مشاكل كل السودان ومراعاة التفاوت في التنمية وفق حاجيات كل مدينة واقليم، هل سيكون نصيب هذه القوى التي أوجدها مفهوم التهميش، هل سيكون نصيبها هي الأخرى هو التهميش من بعد ذلك؟
ما نتوقعه ونخشاه هو أن التهميش ومحاربته ( عسكريا وكلاميا) قد اضحى برنامجا لمجموعة من القوى السياسية مثلما كان الإستقلال هو برنامج كل القوى السياسية السودانية التي فشلت بعد تحقيقه في خلق او تطوير أي برامج جديدة للإستفادة منه.
فهل أن القوى السياسية تقوم ثم تبحث لها عن برامج، ام ان البرامج هي التي تخلق القوى السياسية؟
مثل هذه الأسئلة ليست من باب التزيد او الفراغ والترف لو نظرنا لمجموع القوى والحركات التي تتعدد منابرها وواجهاتها السياسية بينما جميعها تتحدث عن لغز واحد هو الهامش والتهميش، ثم لا يجمعها من بعد ذلك جامع غير هذا المصطلح !
ولعل من المفيد ان نذكر ان السيد ياسر عرمان ( أمين عام الحركة الشعبية  – شمال) قد تحدث مطلع هذا الأسبوع في لقاء صحافي نشرته صحيفة سودانايل، حيث دعى لوحدة قوى الهامش والقوى الديموقراطية، وهنا يجب ملاحظة ما يرمي إليه السيد عرمان وغيره عندما يعبرون عن الهوة بين هؤلاء وهؤلاء، إذ ما الفرق بين قوى الهامش والقوى الديموقراطية؟ ذلك لم يكن حديثا عابرا كما لا يجب حمله على ذلك مهما حسن الظن، هي الحقيقة، هنالك فرق بين المجموعتين وثمة فراغ كبير في كل مجموعة منهما، هؤلاء يملأونه بمصطلحات الديموقراطية  والحرية وأولئك يحتكرون له - حسب منطقهم الجغرافي- مصطلح التهميش  ويتسمون به!
فلو كانت القوى الديموقراطية تستهدف الديموقراطية وقوى الهامش تستهدف التهميش، فما هو الفرق إذن بين التهميش والديموقراطية؟
وهل يمكن لباحث عن الديموقراطية ان يستثني التهميش والعكس، هل محاربة التهميش لا ترتبط بالديموقراطية؟
فكريا وعمليا لا يمكن الفصل بين هذه الإستحقاقات جميعها بحيث تتأسس وتتكامل في مشروع سياسي وطني واحد، ولكن واقعيا تبدو كأنها اولويات متفرقة بدليل ان عديد الحركات التي تقاتل من اجل رفع التهميش عن مناطقها لا ترتبط فكريا وجوهريا بحلول ديموقراطية وتنوعية وحرياتية وحقوقية.
ومن ناحية اخرى فإن الواقع العملي يثبت ان معظم - إن لم نقل كل-  القوى السياسية السودانية التقليدية منها والحديثة ليس لديها برنامجا والتزاما واضحا نحو حزمة القضايا الأساسية التي تبدأ بقدسية الحرية (الإنسان) والديموقراطية (المؤسسة) وحماية الحرية والديموقراطية (القانون) والإعتراف بالآخر والعمل معه (التنوع).
مهما تأخر المسير وتعطل فإن الوصول غير ممكن إلا بسلوك الطريق الصحيحة، والأولوية اليوم هي للدعوة لمثل هذه البرامج من أجل بناء الوطن والحفاظ على مكوناته  ولا بأس في إيجاد نوع من التمييز الإيجابي لمصلحة اقاليم وشرائح مجتمعية بعينها فيما بعد.
المهم عندي هو إيكال المسؤولية في مجملها للقوى المدنية المؤهلة من اصحاب الخبرات والرأي من شتى بقاع السودان وتخصيصا من مناطق الصراع والحروب والنزوح (دارفور، جنوب كردفان، النيل الأزرق وحتى الشرق نسبيا) على هؤلاء ان يقتربوا اكثر من شباب الحركات المسلحة يقومون نظرتهم للعمل ويسدون فراغ المدنية والمؤسساتية في تجمعاتهم ومن ثم محاولة دمجهم في وعاء واحد كبير يأسس لثقة الجميع في قدرتهم على قبول الآخر في الوطن وفي البناء وقدرتهم على العمل بجانب بعضهم البعض وهي من مشكلاتنا المزمنة على المستوى الرسمي والشعبي، إذ يصعب ان تجد مواطنين عاديين يجتمعون على مشروع ناجح بدون مناكفات تؤدي به للفشل، ولكنها تصبح مدعاة ( للضحك) عندما يفشل حتى انبه المتعلمين والخبراء والمؤهلين في ان يجتمعوا على مشروع سياسي واقتصادي ومجتمعي وان يعملوا تحت سقف  واحد في برلمان او حكومة او شركة او حزب!
والسؤال الأخير هو لو اننا لم نتعاون مع اخوتنا في الحركات المسلحة وفي الأحزاب المختلفة فهل يكون التغيير الذي ننشده جميعنا لمصلحة وحدة وسلامة الوطن ام لتمزيقه واندثاره اكثر مما هو الآن، لنعود لترداد قصصنا الحزينة عن نستلوجيا الزمن الجميل ؟

عبدالله عبدالعزيز الأحمر
ايطاليا – فروفينوني
14 اغسطس 2012

السبت، أغسطس 04، 2012

الحركة الشعبية قطاع الشمال وعجلة التاريخ


(ذكريات ياسر عرمان واحلام الزمان)
 قبيل عام وبضع اسابيع، إبان احداث ابيي وجبال النوب وما عقبها من تفجر الوضع في جنوب النيل الأزرق،  خرج علينا الصحفي " عادل الباز" بقرآءة للتاريخ وحركته (عجلته) يستنكر فيها فعل الحركة الشعبية (قطاع الشمال)،  كونه يقذف بالسودان في اتون حرب نتائجها المؤكدة هي خلق دولة فاشلة، مع إصراره بأن العصر الحديث لا ينحاز لما اسماه الكفاح المسلح بحسبانه ممارسة قديمة!، بل وقطع بأن دولة محترمة تقدر سيادتها لا يمكن ان تقبل بمحاورة مجموعة تحمل السلاح وتحتفظ بجيوش خاصة بها في إطار عملية سياسية !
وكان الباز في تلك الإطلالة شديد التعسف والتعجل، إذ لم يكن إنقاذيا اكثر من الإنقاذيين، بذمه واستنكاره لفعيل أعداء الإنقاذ، بقدرما كان قادحا للإنقاذيين ودولتهم من حيث اراد المدح وذلك بخلعه صفات الحكومات المحترمة التي لا تقبل بوجود قوات مسلحة أجنبية على اراضيها، أو مفاوضة حاملي السلاح، وهي وغيرها مجتمعة من صفات الذل والمهانة التي  قبلتها وتقبلها حكومة الإنقاذ التي استنت ثم افترضت على من اراد التغيير او المشاركة ان يحمل لذلك البندقية، فأستبعدت لذلك كل اصحاب المحاولات السلمية الذين " يتغني بهم السيد الباز" عن موائد التفاوض وخضعت لمن أهلتهم اسلحتهم وقواهم، تفاوضهم في كل بلاد الله وتوقع معهم الإتفاقيات المضروبة، بل وتقبل بهم شركاء في السلطة والثروة والسلاح!
لم يكن السيد الباز وقت ذاك يتحدث عن حكومة افتراضية ولكنما غره قول الرئيس البشير بأنهم سوف لن يفاوضوا " الحشرة الشعبية" وهي صفات تزيد من وضاعة النظام الإنقاذي الذي يضطر في كل مرة للعق تصريحاته ومواقفه ثم يعود مرغما لمصافحة ومحاورة الحشرات و (التيران) على حد تعبير رئيسنا الأسيف عندما وصف السيد مالك عقار بأنه رجل (تور).
وكنا قد عقبنا على مقال السيد الباز في إطالة حملت عنوان (ياسر عرمان وعادل الباز وحركة التاريخ عندنا) قطعنا فيه بعدم حاجة السيد الباز لقرآءة التاريخ عندما يعجز عن قرآءة الواقع وبالتالي فإستشراف المستقبل يصبح مغامرة مجهولة بكل المقاييس.
ثم اكدنا له ان حكومته عاجلا او آجلا سوف تخرج لمفاوضة الحركة الشعبية قطاع الشمال، وأن كان عليه التمهل ليرى ما يجري هذه الأيام إذ خرجت الحكومة تفاوض الحشرات!
بل وتتهم الحركة الشعبية بأنها لا تريد التوصل لحلول!
مشكلتنا اليوم هي ليست مع السيد عادل الباز وتحليلاته المعزولة عن دنيا الواقع، ولا مع الحكومة فقد تبين لكل شعب السودان خاصته وعامته بؤسها وفشلها، ولكن الذي يعنينا هو إعادة حركة التاريخ للوراء كما قطع بإستحالة ذلك كاتبنا المذكور في مقاله ذاك.
نعم حركة التاريخ لا يجب ان تعود للوراء، ولو قبلت الحركة الشعبية مبدأ التفاوض على وتيرة ما جرى من قبل فهي حتما ستعيدنا لذات المربع القديم.
إن مشكلاتنا في السودان قد تعقدت، وتشعبت، ولكنها في ظن العارفين تكاملت وهيئت كل الظروف الموضوعية الآن لزوال النظام الذي اججها متفرقة، وعانى المواطن والوطن كل تداعياتها، وحتى الحكومة اليوم تدرك صعوبة بل وإستحالة تحليل كل هذه الإخفاقات والمعضلات إلا بتسليمها الأمر للشعب وهو أمر مستبعد.
لم يعد ممكنا اللجؤ للحلول الجزئية لأن الحرب الآن قد شردت قبائل التماس في شريط طويل يمتد من اقصى الغرب لأقصى الجنوب الشرقي.
ولا يمكن اللجؤ للحلول الجزئية لأن ثلث الشعب السوداني ينزح خارج بلاده.
ولم يعد اللجؤ للحلول الجزئية ممكنا لأن الشعب السوداني في الأطراف وفي الوسط قد بلغ حد العجز التام عن توفير وجبة غذاء واحدة بشكل مستقر، حتى أن مواطني النزوح والملاجيء قد ينتظرون العون من منظمات الغوث والإعانة الدولية أما مواطنوا الداخل فلم يعد أمامهم ولا ورائهم ما ينتظرون سوى هبة واحدة تقتلع جذور هذا النظام الفاسد الظالم لتعيد مشكلاتهم ومعاناتهم لطاولة الحل.
في دولة محاصرة بالقرارات الدولية سياسية واقتصادية، في سبيل حماية شخص قاتل يرقص ليل نهار على اشلاء شعبه الذي يموت بنيران القنابل والجوع والمرض والأوبئة، ولو كان يستشعر نخوة الرجولة ومرؤتها لترجل من مقعده وتنحى جانبا ليواجه الشعب مصيره ويتجه هو لمجابهة مصيره أنى كان.
في دولة اصبح رئيسها واركان نظامه يدورون حول بعضهم في دهاليز المؤامرات، لم تعد معركتها مع الشعب الثائر في انحاء البلاد كلها، ولا مع الشباب المتمرد في أطراف البلاد، ولا مع السياسيين ولا المجتمع الدولي، لأن النظام الآن يخوض معركة محدودة مصغرة في القصر بين اجهزته ومراكز قواه المختلفة من اجل البقاء...
لأجل ذلك كله نقول للأخوة في الحركة الشعبية ان لا يفاوضوا منفردين، لأنهم يعلمون بل ويؤمنون بأنهم لا يمثلون كل الشعب السوداني، وبغياب قطاعات هذا الشعب لا يمكن لقضايا الشعب كله ان تحضر في أجندات التفاوض، وبغياب هذه الأجندات فإننا نعيد انتاج نسخة من الإتفاقيات الكثيرة التي رقص على انغام توقيعها الرئيس البشير كثيرا ثم لم تجدي من بعد ذلك نفعا.
كل المطلوب الآن هو تكامل الجهود بين القطاعات الحية ومشاورة كل ذوي التجربة والإهتمام ومحاصرة الحكومة بكل الوسائل الممكنة والثقة بشباب هذا الوطن وعدم إهمال التوافق الوطني حول كل الخطوات المذمعة، وتبصير الشارع السوداني بها وتشجيعه والوقوف مع تضحياته عينيا ومعنويا وتجاوز كل من اختار الإختباء والتخذيل في مثل هذه الظروف التاريخية، ولمن كان له من سهم فليرمي به اليوم وسننتصر بإذن الله.
عبدالله عبدالعزيز الأحمر
ايطاليا – فروزينوني




السبت، يوليو 14، 2012

أدوات المعرفة والتنوير


في ورقة سابقة – أعددتها- عن المثقف ودوره في صناعة المعرفة، تحدثت كثيرا عن مشكل الآدوات المستخدمة في صناعة المعرفة، او القوالب التي نقدم من خلالها المعرفة لشرائح المجتمع كافة، وهي في مجملها تكون الكل المعرفي المفيد في غير حاجة لتوجيه ايديولوجي ما، كون الإستغراق في تقديم المعرفة بشتى صنوفها سيسلخ عن كثير من الأدوات والأوعية – غضبا- كل محاولة للتوجيه، وبتعبير آخر فكثير من هذه الأدوات غير قابلة للتوجيه اصلا، ولا يتبقي من ذلك إلا المحاولات اليائسة المتمثلة في تعليق لافتات تشير إلى خلفية المجموعة او المنظمة التي تقدم فكرة ما او تدعم مشروعا مجتمعيا توعويا في منحى ما.
تبادرت هذه الملاحظات إلى ذهني حال الحديث مع صديق صيدلاني من الشقيقة مصر، يقوم على صيدلية للأدوية في احد نواحي " دمنهور"، ولقد ظل يشكو – وبشهادتي- من كثير من مظاهر الجهل لدى رواد الصيدلية من الأهالي العاديين الذين يطلبون صنوفا معينة من الأدوية عكفوا على تناولها وفقا لوصفة الطبيب وعرفوها بإسمها وشكلها، وكانوا إذا قدمت لهم ذات الأدوية في غلاف مختلف او تمسية مختلفة كانوا ينكرونها ويرفضون ابتياعها، وصديقي هذا يستفرغ وسعه في الشرح والإقناع في وقت يتشبث فيه الزبون (المريض) برغبته في الدواء حسب الشكل والإسم الذي ألفه!
المفارقة انني اقضي الساعات الطويلة في الحوار مع هذا الصديق بخصوص مشكلات مجتمعنا، وفي ذات مرة طفق يشكو من ذات المشكلة المتقدمة، وللمرة الأولى يتبادر إلى ذهني ان اصرف نقدي عن جهل المجتمع إلى تقصير اهل التخصص بشكل مباشر، واهل الثقافة والفكر (المستنيرون) عموما بشكل غير مباشر في ابتدار وتعهد المواطن بالتوعية في مواسم راتبة في كل ما يعن لهم من احتياجات.
قلت له: العيب ليس في هؤلاء الناس، وفي تقديري ان محاولة توعيتهم في ساعات الشراء لا تخلو من جهد مضيع، ليس لإلحاح الزبون (المريض) فقط ولكن لعدم ثقته ايضا فيما يقال له بحسبان المتحدث صاحب غرض وفائدة.
عليه وبما أن توعية المواطن في مثل هذه الحالة تصنع مجتمعا اكثر معرفة وإدراكا لجوهر الأشياء من شكلها، فهي توفر على الصيادلة مجهودا كبيرا مهدر، وترمم جسور الثقة بينهم وبين المتلقي (المشتري)، وتيسر تعاطيهم للبضاعة (الأدوية) بمختلف علاماتها التجارية ما دامت الفعالية واحدة، هذا الدور بالطبع يفترض ان تقوم به الشركات المصنعة من خلال تنظيم معارض ليس في القاعات الكبرى والمؤتمرات، ولكن في الأحياء الصغيرة والنائية وفي المدن الكبيرة وسط الناس، وفي الشوارع، وفي المدارس، وفي وسائل الإعلام من خلال الإعلانات الإشهارية، بإشتراك عدد من المسوقين (الشركات)  والمختصين (الصيادلة) يقومون بتعريف المواطن بأهمية المادة الفعالة التي تقوم كل الشركات بتضمينها في منتجاتها حسب المقاييس المتعارف عليها علميا، وفيما عدا ذلك يكون لكل شركة علامتها التجارية واسمها الذي تضعه على الدواء.
هذه العملية هي واجب المختصين الذين ذكرنا وليست عملية تتطلب اهل السياسة، واهل الإتجاهات، لكنهم بقيامهم بها قد يطورون مفهوما متفق عليه ليتم تخصيص ساعات معينة في المدارس والجامعات والمعاهد يؤمها مجموعة المختصين يقومون بنشر الوعي بين هذه الشرائح الوسيطة بينهم وبين افراد مجتمعهم واسرهم، على ان يكون لشركات الأدوية دور التمويل لهكذا محاضرات بشكل منتظم وراتب، وان يكون لأهل الإختصاص دور في إعداد المبادرة ومخاطبة الجهات التعليمية في الدولة كي تتيح لهم مساحة متفق عليها، وفي نهاية الأمر سيكون ما يقدمه هؤلاء هو احد صور التنوير والمعرفة بدون حاجة للتفكير في اتجاهها، ولو قدرنا ان حاجات مجتمعنا لكثير من المعارف الحيوية التي لا تحتمل الإتجاهات والتوجيه لأدركنا ان ما نستهلكه من وقت في قضايا السياسة والدين على حواف التناقضات هو إهدار للوقت وإسراف في غير محله كون المجتمع متخلف ضائع بين كل هذه الإتجاهات من ناحية ومن ناحية اخرى فحاجته هي لأشياء اكثر اولية دون ان ينتبه لها أو له أحد!
تحياتي
عبدالله عبدالعزيز الأحمر
ايطاليا- سان جيوفاني
15 يوليو 2012

الاثنين، يوليو 09، 2012

الشيخ وجدي غنيم والإفلاس الأخلاقي والمنطقي والمنهجي


تعيش بلدان الربيع العربي التي حسمت انتصارها النهائي، أصداء الثورة وإرهاصات الإنتقال الشاق من مرحلة الصمت والكبت، إلى الثورة والإنفجار، ثم إلى تجربة الحرية والديموقراطية في سابقة فريدة من نوعها، وفي مثل هذه الأحوال فإن المتأمل ليرى عجبا.
خرج علينا الشيخ (الداعية) وجدي غنيم مؤخرا عبر تسجيل مصور، يقدم النصح للرئيس المصري الجديد المنتخب (الدكتور. محمد مرسي) بما يشبه الكارثة في كل شيء، لتنافي جوهر قوله وظاهره مع أدنى فهم واتباع لمبادي الدين الإسلامي الذي هو حقل تجربته وعلمه وعمله بل ومصدر رزقه!
رغم ان الرجل قد أنزل نفسه منزلة الناصح للرئيس، فإنه كان احوج من منصوحه للمراجعة والمناصحة والإستدراك، ولا يبدو انه كان في أحسن احواله حيث بدت عليه علامات الهيجان والهستيريا الشديدة لدرجة افقدته أدنى منطق، ناهيك عن وقار العلماء وحلمهم، في وقت ظن فيه اكثر اليائسين من مثل هؤلاء الشيوخ ان انتصار السيد (مرسي) في الإنتخابات الرئاسية قد يثلج صدورهم ويهدئ ثائرتهم  على القوم!
نحن نستلهم بالطبع حادثة دخول الرسول صلى الله عليه وسلم لمكة فاتحا ومنتصرا بدون قتال على المدينة التي لفظه اهلها وعذبوه واصحابه واخرجوه منها مطاردا، لكنه عندما دخلها منتصرا كان مطأطئ الرأس، تواضعا لله، واعترافا بنعماه ثم ادخل الجميع في عفو الكرام الأخوة!
ويستوي استلهامنا لسيرة النبي في فتح مكة حال افتراضنا ان جميع من نافسوا السيد محمد مرسي وانتقدوه وانتقدوا مسلكه هم من الكفار، او كما يحكم بذلك شيخنا الجليل، وحتى في هذه الحال كان النبي صلى الله عليه وسلم كما رأينا، فما بالنا وهؤلاء الذين ينعتهم ويتهجم عليهم الشيخ الجليل هم قادة العمل العام السياسي والصحفي والفكري والأدبي، وكثير منهم من المسلمين، وليس يعيبهم – بغض النظر عن تنوع اديانهم- شيء سوى انهم لا يتفقون مع الرئيس مرسي، او لا يتفقون مع منهجه ومنهج جماعته، فهم معارضون، وهم ليبراليون وهم علمانيون وهم احيانا سلفيون اكثر تشددا من السيد مرسي نفسه، بل ما بال شيخنا الجليل ينحدر بأوصافه لهم بالصراصير والفئران والكلاب المسعورة؟
من المؤلم حقا ان يجافي منطق شيخنا الجليل كل خلق جليل إلى نابي الألفاظ وقبيح القول والسباب وخفة العقل بعد ان انزله الناس منزلة الدعاة والعلماء والشيوخ!
حديث الشيخ وجدي غنيم – المأسوف عليه- تناول قضايا عديدة ينقصه فيها جميعا الصبر والتعقل والتأمل، وفي كثير منها قلة العلم وفي بعض منها عدم اتقاء الفتنة تصيب الناس لدعواه ثم يبؤ بإثم إطلاقها من عقالها:
النقطة الأولى التي اثارها هي اعتراض بعض السياسيين على الرئيس مرسي، وافتتاحه الحديث بالقرآن الكريم وتقريعهم او سبهم له – حسب إدعاء الشيخ غنيم- وكان نصيب هؤلاء هو انهم كالكلاب المسعورة والصراصير والفئران مثلما يقول في هذه الفقرة:(  عموما انا بقول فخامة الرئيس الدكتور مرسي بقوله لا تعبأ بهذه الصراصير والفئران دول اقسم بالله مالهم قيمة لا عند الله ولا عند الناس دول زي الصراصير و الفئران ما يعيشوش إلا في النجاسة، دول يعيشوا في النجاسة، ومش حكرر الكلام الي قلتو : هل يضر السحاب نبح الكلاب، وقلت دعوا القافلة تسير والكلاب تنبح في آخر تسجيلين فمش حكررهم تاني)
النقطة الثانية تعيد للأذهان الأزدواجية التي تشكل عقول كثير من شيوخنا وإسلاميينا، او سمها الإنتهازية، فهم لا يؤمنون بالديموقراطية ولكنهم لا يمانعون ان يأتوا للسلطة من خلالها، فالرجل يعترف بأنه لا يؤمن بالديموقراطية (بتاعتهم على حد تعبيره) وإنما يعترف بالشورى، ثم يمضي ليناقض ذلك المبدأ حين يؤكد حق الرئيس في تعيين من شاء في الوزارات وان لا يستقيل من حزبه كونه فائزا في الإنتخابات، بل ويرى ان من يسب الرئيس كمن يسب مصر لأنه رمز مصر! وهذه من اغرب ما سمعت من شيخ يورد لكل حكم دليلا من القرآن والسنة إلا مسألة الرمز هذه لم نسمع بها من قبل في القرآن والسنة، ولعلها تدخل في باب الإجتهاد والقياس!
ثم يقول بأن من يسبه (أي الرئيس) يسب شعب مصر الذي اختاره، ولا أدري ان كان شعب مصر قد اختار الرئيس عن شورى ام عن ديموقراطية!
( دول لا بيحترموا لا دينهم ولا بيحترموا عقيدتهم ولا بيحترموا الديموقراطية، عشان كده لا قيمة لهم ولا احترام لهم، انا بقول لفخامة الدكتور مرسي اوعي تعبرهم في جزمتك ورب الكعبة جزمتك انضف منهم وربي بيسألني في الآخرة عن هذا اليمين، فأوعي تحطهم في دماغك ولا تعبرهم، ده شوف قلة الأدب طالعين زي الكلاب المسعورة الخنازير يشتموا في رئيس الجمهورية، ايه قلة الأدب دي؟ أيه قلة الأدب دي؟ أيا كان، ايا كان، ده رمز مصر دلوقتي، اصبح رمز مصر، يبقى انت لما بتشتم فيه بتشتم في مصر، وبتشتم في الناس الي انتخبوه، الناس الي اختاروه)
هذه هي عقلية كثير من شيوخنا عندما تستخفهم السلطة فيركبون لها كل وسيلة، ولا يغرنك حديثهم من قبل ومن بعد ذلك فهو من وادي عبقر!
النقطة الثالثة كانت اعتراضه على دعوة البعض لأن لا يستأثر الرئيس وحزبه بكل الحقائب الوزارية وهو في هذه يستشهد بممارسات الأحزاب في دول أوربا وأمريكا، وكان من الممكن تفهمها لولا انه غاص في وحل السباب والشتائم والتهريج.
النقطة الرابعة وهي من النقاط شديدة الحساسية والتأثير على سلامة النسيج الإجتماعي وجوهر المواطنة التي تقوم على مبادي الإحترام ونصفة ذوي الأقليات الدينية والعرقية الأخرى على قلة عددهم، وهي من صميم تقاليد البلدان المتحضرة التي بحثت كثيرا في ادق طرق التمثيل في الدوائر الإنتخابية التي لا يشكل متساكنوها كثافة عددية تخولهم تنصيب من ينوب عنهم، وكان لتلك السياسات الأثر الكبير في استقرار وتماسك تلك المجتمعات لرسوخ مفهوم المواطنة المشتركة والحقوق المتساوية على ذلك الأساس، والقدرة على تحصيل الدرجات والتقدير وفقا للكفاءة والجهد، وبذلك نهضت شعوب وقامت حضارات ننظر لها نحن المسلمون بعين الإحترام من مستنقعنا القصي، فإننا لا نرى من بأس في الإهتداء بتراث الحكمة البشرية وتجاربها فيما تسنى لنا مناخ الديموقراطية والتعبير والتغيير في بعض بلداننا، مع الإقتداء الأولى بسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في طيب المعاملة والإنصاف للمخالف في الدين، في حين ان شيخنا يهمل كل ذلك ولا ادري إلاما يرمي من خلال ذلك؟ ودونك نصيحته الأخيرة حين يقول: (آخر نصيحة بس بقولها لأخي الحبيب فخامة الرئيس الدكتور مرسي انا سمعت وياربي يكون هذا الكلام كذب، ايا كان حذاري واوعي وعلى الله واياك تقع في هذه المصيبة الي عاوزين يوقعوك فيها، والله يادكتورنا سيذكرك التاريخ باللعنات لأنك حتكون انت بدأت بالمصيبة دي، انك تعين نائب ليك صليبي او تحط إمرأة) ولا يبدو – من خلال هذه الدعوة- أن الشيخ غنيم يعنيه كثيرا شأن الإستقرار والسلم بين فئات المجتمع المصري، فنحن ننبه لضرورة مواجهة أمثال هؤلاء بكل الوسائل الممكنة من اجل الحفاظ على سلامة النسيج الإجتماعي من ضرهم البالغ، فهم لا تهدأ لهم ثائرة حتى ينزلق المواطنون لحروب دينية طاحنة وفتن لا يعلمها إلا الله فأنتبهوا يا أخوتي في مصر.
النقطة الخامسة هي تركيزه على ان يقوم الرئيس بتعيين رئيس وزراء مسلم يتقي الله، وان يعين وزراء مسلمين يتقون الله، من تنفيذ مشروعه ( الجميل)، وهنا لا يبدو ان للشيخ الجليل ادنى معرفة بكيفية تسيير نظم الدولة في رحاب الديموقراطية وحكم القانون وإستقلال القضاء ووجود المجالس التشريعية التي تراقب وتقر كل السياسات بعد دراسة متعمقة، دون الإلتفات للصفات الشخصية لمتقلدي الوزارات والمناصب فذلك شأن خاص بين العبد وربه وهو من امور الغيب، أما شؤون الحكم والسياسة فهي لا تخضع لحسن النوايا ولا الغيبيات والكشف، وإنما لمعايير علمية ضابطة ومراقبة قبلية وبعدية.
النقطة الأخيرة هي حديثه عن نفسه بشكل لا يليق بالعلماء، وهو ما افقده التركيز مرة اخرى حين انحدر لتقليد اصوات النساء والميوعة التي لا تليق بمقام الرجال، حين ناشد الرئيس ان لا يهتم بموضوع عودته هو إلى مصر وكأن الرئيس المنتخب ليس أمامه من المهمات الجسيمة سوى عودة ( الشيخ وجدي غنيم) من مهجره ( الوثير) في الخليج، وان على الرئيس ان يركز على نصرة الشيخ عمر عبدالرحمن المحكوم عليه في امريكا، وهي دعوة كان بالإمكان ان تبلغ في أدب يليق بها ودون اقتران بحالته هو الخاصة فهي على - خلاف ما قدم الشيخ وجدي غنيم-  كونه يعطي الأولوية في العودة للشيخ عمر عبدالرحمن على فهي حالة تخضع لظروف وشروط لا تشبه ظروف وشروط الشيخ وجدي غنيم من عدم حاجته هو لشفاعة الرئيس اصلا وصعوبة إخراج الشيخ عمر عبدالرحمن من غياهب السجن الأمريكي لأنه مسجون في بلد آخر وليس ممنوع من دخول بلاده.
كنت دائما اعتقد أن شهادات الماجستير والدكتوراه في كثير من الأحيان لا علاقة لها بمقدار ثقافة وفكر ووعي حامليها من عجب ما نرى، وتحملني هذه الملاحظة لبعض الذكريات في السنة الأولى الجامعية في ليبيا، حين طلب  استاذ اللغة العربية (دكتور) من احد الطلبة الليبيين أن يصمت وهو (أسود البشرة) فقال له اسكت ياعبد!
وذات الملاحظة طالعنا بها ( الدكتور) يوسف شاكير في الفضائية الليبية إبان الحرب الأخيرة   
وهو ينافح ويدافع عن العقيد القدافي ضد الثوار وكل من تعاطف معهم، كان يستخدم ذات الأوصاف وذات التشابيه التي يستخدمها شيخنا ( وجدي غنيم)، حيث كان يوسف شاكير عندما يذكر الدكتور عمر موسى يقول (حمر موشى) ومن عجب ان الشيخ وجدي غنيم يقول عن حسني مبارك ( حسني حمارك)! فتأمل
ثم هو يصف النخبة (بالجزمة)، ثم يقول انهم دون قيمتها ويستشهد بأن المرء لا يشكر الجزمة عندما يصل البيت لأنها (جزمة)  وإذا اصابها تلف ما فهو يرميها ويشتري غيرها، فلله أي شيوخ هؤلاء واي منطق هذا الذي نسمع؟
إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، وحتى (الجزمة) من نعم الله ولها على الإنسان فضل عظيم، وثمة من لا يتوفر عليها في بلاد الله الواسعة فيمشي حافيا في رمضاء ووعثاء لا يعلمها إلا الله.
كم يصيب المرء من ألم على الأجيال عندما يكون هؤلاء هم المربيين!
إن مصيبتنا تعز يا أخوتي على كل مداوي ولله الأمر من قبل ومن بعد
أترككم مع عينة من مصطلحات شيخنا الجليل
فخامة الرئيس الدكتور مرسي ربنا يبارك فيه ياربي ويحفظه!
( من حقه علينا ان نحنا نقدم له النصيحة كما امرنا وكما قال في اوائل الخطابات الجميلة)
( عموما انا بقول فخامة الرئيس الدكتور مرسي بقوله لا تعبأ بهذه الصراصير والفئرأن)
 ( دول اقسم بالله مالهم قيمة لا عند الله ولا عند الناس دول زي الصراصير و الفئران ما يعيشوش إلا في النجاسة)
( دول يعيشوا في النجاسة)
( هل يضر السحاب نبح الكلاب)
( دعوا القافلة تسير والكلاب تنبح)
( انا ما عرفش مين سماهم نخبة، نخبة ايه وخيبة ايه، مين الي اطلق عليهم الألفاظ دي؟ )
( ايه الهبل والهطل والعبط ده)
( انا بقول لفخامة الدكتور مرسي اوعي تعبرهم في جزمتك ورب الكعبة)
( جزمتك انضف منهم وربي بيسألني في الآخرة عن هذا اليمين)
( شوف قلة الأدب طالعين زي الكلاب المسعورة الخنازير يشتموا في رئيس الجمهورية)
( وانا عاوز اسئلهم لو كان فيهم راجل إن كان عندهم رجولة)
( دول مش رجال دول ذكور اشك والله الله اعلم)
( يا اشباه الرجال، يا أشباه الذكور، كان فيكم راجل يقدر يتكلم عن حسني حمارك)
( كانوا كلهم حاطين جزم متعصة نجاسة في بؤهم)
( دول يخافوا ما يختشوش، علشان كده بقول لفخامة الرئيس ولا تعبرهم في جزمتك ولا تحطلهم اعتبار)
( واحد فينا بيوصل البيت بيقلع جزمته بيقول لها متشكرين ياجزمة؟ لا طبعا، لأنها جزمة... جزمة ولو فيها اي حاجة ارميها وهات واحدة تانية)
( دول اقل من الجزم، لأن دول اصلا اصلا إلي كانوا موجودين في النظام البائد الي كانوا مؤيدين للنجس الكان بيحكمنا لأن هما انجاس زيه)
ولمن اراد الإستزادة الرجوع للرابط اسفله للإستماع للتسجيل متكاملا:

عبدالله عبدالعزيز الأحمر
ايطاليا – سان جيوفاني

السبت، يونيو 30، 2012

مصير الشعب السوداني بين مطرقة الحكومة وسندان الحركات المسلحة


( السودان والثورة والمجهول)
إنطلاق موجات الإحتجاج الجماهيري في بعض مدن السودان جاءت متأخرة جدا، ليس قياسا على أو اقتداءا بثورات الربيع العربي التي تفجرت في بعض البلاد العربية المجاورة، ولكن قياسا لما حاق بالسودان من تشظي وظلم وفوضى وفساد في كل شيء تاهت معه بوصلة الجميع. فمن جهة لم تعد جماعة المؤتمر الوطني تدري من اين وكيف تستطيع لملمة اشلاء الوطن الممزق شريطة أن يتسنى ذلك تحت حكمها وسيطرتها، وصولا لمرحلة متطورة لم يعد فيها التشبث بالسلطة هدفا في حد ذاته بقدرما انه الضامن الوحيد والأخير لرموز تلك الجماعة من الملاحقات القانونية والمحاسبة داخليا وخارجيا.
من جهة اخرى فإن المعارضة هي الأخرى فقدت بوصلتها ولم تعد تدري من اين وكيف يمكن للوطن ان يستعيد حريته وعافيته وتحت شرط وحيد آخر هو ان تظل ذات القوى السياسية هي الوريث الشرعي للإنجاز لتعود إلينا بذات الوجوه وبذات الهلمجرات وتجار العملة وزعماء الطرق الصوفية والإسلاميون الجدد!
كل هذا ذهب مع الريح ولم يعد ممكنا، حتى الشعب السوداني نفسه لم يعد يدري كيف يمكن تحرير الوطن بشرط وحيد آخر ايضا ومختلف وهو ان يظل الوطن ملكا لكل الشعب السوداني، يشعرون فيه بالعدل والمساواة والحرية والكرامة.
والشريحة المستنيرة هي بشكل خاص لم تعد تدري إلاما يتجه قطار السودان، ولا كيف يمكن توجيه هذا القطار بحيث يبلغ – في نهاية المطاف- بر الأمان، مع اتفاق الجميع على ضرورة التغيير وانسياق الكثيرين بل وانسياقنا كلنا وراء قطار الثورة والشارع كي نزيل هذا النظام البئيس، ومع اننا جميعا ندعوا لهذا الخيار فإن التنبأ بجدواه في لملمة شمل الوطن وتضميد جراحه لا يعدو محض تفائل ونوايا حسنة مثلما ذهب إليه الصحفي المناضل " سيف الدولة حمدنا الله" في مقاله الأخير حيث أكد بأن جميع أزماتنا سوف تحل من تلقاء نفسها بمجرد زوال هذا النظام، وهي مجازفة لا يستطيع المرء التسليم بها عند إمعان النظر في عمق الأزمة التي تلف البلاد، ومن ناحية أخرى لا يمكن بحال من احوال لأحد هؤلاء المتفائلين او حتى المتشائمين ( مثلي) ان يقول لأبناء هذا الشعب: لا تثوروا!!
كلنا ندعوا للثورة وكلنا ندعوا لإزالة هذا النظام ولكننا كلنا لا ندري إلى أين نجته، وإلاما ينتهي بنا المصير؟
لهذا فبوصلة المراقبين والصحفيين والمحللين والمستنيرين هي الأخرى قد تاهت، تاهت لأن الثورة السودانية جاءت متأخرة جدا!
أقول هذا لأن ثورات الهامش عبرت عن نفسها بقوة السلاح وتحت قيادات جديدة، بعضها لم تكن معروفة في قاموس السياسة السودانية من قبل وبعضها انبثق عن تشكيلات حزبية مدنية لم يعد يؤمن بجدواها. هذه الثورات هي الأخرى لم تبد نضوجا في فكرها وجدية في إلتزام منطق موحد هادف لحل المشكل عندما انشغلت بالصراعات البينية  من اجل النفوذ وهي لم تقم موحدة لتتشظى بعد ذلك ولكنها في كثير من الأحيان نشأت متشظية ثم لم تلتزم بعد ذلك خطا يوحدها للتصدي لجوهر القضية والمشكلات التي يعاني منها المواطن في مناطق الهامش تخصيصا والسودان تعميما، مما سهل مهمة الحكومة في استقطاب بعضهم وإدخالهم في منافسات لم يعودوا منها بطائل سواءا الذين فاوضوا الحكومة وعادوا من ميدان الحرب او أولئك الذين ظلوا يحملون السلاح.
هذه الحركات لم يكن لها اصلا بوصلة تهتدي بها.
لكنهم يقولون بأنهم بمجرد سقوط النظام سوف يسلمون السلاح ولعل الأخ سيف الدولة حمدنا الله لم يرد المجاذفة بتخذيل الشباب السودانين وهم يخرجون للشوارع يواجهون قمع نظام الإنقاذ،  ولكنه جازف بحسن نواياه وتفائله المفرط في ان الأمر سينتهي بتسليم هذه الجماعات لسلاحها حال سقوط النظام، وهو الأمر الذي لن يحدث، لأن كثيرا من هذه الجماعات تخوض صراع نفوذ فيما بينها وتخشى كل منها من الأخرى، تماما مثل الصراع الذي خاضته احزاب الشمال الكبرى بين يدي الإستقلال وقبله عبر المؤامرات والدسائس التي سولت للبعض حتى ان يستعين بالمستعمر على الأخرين، وهم رغم قداسة الإستقلال وفرحة الوطن بعودة الحرية والإرادة الوطنية إلى ابناءه قد ضيعوا مساعي الوطن بذاك الصراع، والأن نحن بين يدي فئات اخرى تخوض الصراع فيما بينها ولكن بشكل مسلح هذه المرة، ومن ناحية اخرى فإن كثيرا من هذه القوى يكتسب اهميته ومحوريته الأساسية من هذا السلاح الذي يحمله، وهو الذي خوله مفاوضة الحكومة ( اقوى الأطراف على الإطلاق) وهو الذي يخوله مفاوضة الأحزاب والقوى السياسية التي ترجو وتتمنى وتنتظر ان تكلل تضحيات الشعب السوداني ومعاناته بالنجاح في إسقاط هذا النظام كي يخرجوا من قوقعتهم للمنابر والمؤتمرات من جديد، لكن هذه القوى السياسية التي ضيعت الوطن بمؤامراتها من قبل سوف تتوه - هذه المرة-  بين مسلحي الحكومة ومسلحي المعارضة والوطن بين هؤلاء جميعا هو في كف عفريت.
ومع ذلك فنحن ندعوا للثورة على هذا النظام ونبذل في ذلك ما استطعنا من نصح وتشجيع ونوايا حسنة ولكننا ندعو الجميع للتأمل في مآلات ما بعد الثورة والتغيير!!