الصفحة العربية الرئيسية

الجمعة، أكتوبر 21، 2011

القذافي وسنن التاريخ... الثوار والأخلاق

اليوم تشرق الشمس لأول مرة منذ اثنين وأربعين عاما على ليبيا بلا عقيدها القذافي، لقد لقي القذافي اليوم مصيرا جلل يصعب تجاوزه في كل حالات التفكير العابر والمتأمل..
وهكذا هي سنن التاريخ...
ولقد سجل التاريخ على هؤلاء الثوار مثلما سجل لهم، مواقف انتقامية ووحشية، أرجو ان يتم تلافيها سريعا والخروج منها بإعتذار وتبرير وتنديد بما جرى لأسير حرب يطلب الرحمة، ولمتهم مطلوب لدى العدالة ولميت ينتظر الدفن...
انسانيا فإن قوانين العالم كلها تحرم اساءة معاملة اسرى الحرب، وبعيدا عن القانون كنا ننتظر من أخواننا الثوار ان يقدموا نموذجا مغايرا لأسلوب القذافي واتباعه، وقانونيا ايضا فإن القذافي مطلوب للعدالة وطالما تسنى اعتقاله حيا فمن ذا يبيح قتله بدون محاكمة، أهي القوانين الثورية؟
ليس أقل من أن يعتذر المجلس الإنتقالي وأن يقدم للمحاكمة قتلة القذافي ليس أنتصار له ولكن انتصارا لقيم الحق التي نرجوا ان ينبني عليها مشروع ليبيا القادم.
أما دينيا فمن ذا يجيز الإساءة لميت؟
تذكروا يا أخوتي أننا قبل كل شيء  مسلمين....

الأربعاء، أكتوبر 19، 2011

اريد ان اتكلم لإنسان احبه

انني الآن افتقد صوت حبيب اكلمه فيطمئن إلى حديثه قلبي.
أحتاج لصوت يهمس في اذني بكلمة حب تمسح عن نفسي رهق الماسافات التي طالما باعدتني عن احبابي وعن الأرض التي اقلتهم، هذه من اقسى الفترات التي يعيشها المرء دون ان يلتزم شيئا من غرام في النفس.
لقد غادرتني دارلين في صيف حار وازداد بفراقها كل آلام نفسي، وهي تعلم ان فراقها قد جاء ليجردني من اكل احبابي الذين غادروني في محطات السفر العديدات... وبقيت انا
دارلين ذهبت فجعلت اضرب موعدها مع كل اشراقة شمس وغروب، مع كل رنة هاتف وكل هاتف شوق، جعلت عندما امر بذاك الحي الذي اواها انثني وكأن هاتفا يناديني ويلح في النداء
وألح في الرجاء، ان ها حبيبة، ها أطلي، ها أقبلي...
ألح في الرجاء
حتى اصابني من ذلك عنت الشوق وشق على نفسي  ماتلقى نفسي
وعدت منها لطريق حبيبة
حبيبة التي وهبت ايامي اياما
وزادت عمري عمرا
وكتبت لبسمتي اطلالة جديدة على شفاه جفت من جدب ايام صيفيات
حبيبة علمتني من جديد انني اعرف الإبتسام والمزاح بل والضحك واللعب واللهو
علمتني من جديد معنى الفرح
حبيبة لم يكن يصلح لها من اسماء الدنيا إلا ان تكون حبيبة عندما اناديها انا
ثم جاءت الحرب
كأن حرب الحياة التي اعيشها لم تكن تكفي
فجاءت الحرب الضروس التي تهلك الأرواح بعد ان عذبتها بالقسوة والشقاء والغربة
جبيبة الآن تغادر
هكذا بدت لي
تغادرني مثلما تغادر الشمس في المساء
مثلما تغادر الروح الجسد
بل مثلما تستل الروح من الجسد
بكيت كثيرا لفراق حبيبة قبل ان تغادر ثم بعد ان غادرت وبعد ذلك وبعده وبعده
مالهذه الدنيا تفجعنا في محبينا
بل مالهذه الدنيا لا تحفظ في الناس الوفاء؟
ماذا تبقى ياترى؟
بقيت انا، والشوارع والساحات مسارح الماضي الشجي؟
فلتبقى المسارح إذا
وها أنا ذا أغادر ايضا
لقد غادرت الشوارع والبنايات والأحياء والمسارح التي ضمت هؤلاء جميعا بليل
خرجت من مدينتي الجميلة طرابلس
تركت احيائها من تاجوراء والسبعة والفرناج وعين زارة وزناته وبن عاشور والفشلوم والحشان وعرادة وسوق الجمعة والشرقية والضهرة وحي دمشق والخضرة والحداد وبوسليم وحي الأكواخ وغرغور وطريق المطار والسريع وقرجي وغوط الشعال وحي الأندلس وقرقارش والسراج والدريبي وقدح والجبس
تركتها كلها وتركت كل الوجوه مطبوعة في كل تلك الطرقات والمقاهي والمؤسسات والبيوت
عبرت الموت للقارة العجوز
ووجدتها عجوزا انهكتها الأيام
القارة العجوز شديدة الحكمة والعقلانية والنظام
لأنها عجوز
شديدة العبوس والصرامة
لأنها عجوز
جعلت ابحث عن وجوه احبابي واحدا واحد
كلمت حبيبة فوجدتها اول المتنكرين لصوتي
حبيبة نسيت صوتي ولم تعد تحفل بي وبصوتي وبكلماتي التي كانت تطربها
عندئذ هزمت
هزمتني حبيبة والأيام
وتركوني جميعهم للقارة العجوز
كم مشتاق انا لصوت يأتيني من هناك
صوت يأتيني بكلمات حبيبة تذكرني بأننا مانزال نحيا هذه الحياة
الناس هنا يتساءلون: لو كانت الحياة تستحق ان نعشها
الناس هنا يقول  بعضهم: ان الحياة عبثية
لكننا نقول لهم: ان  الحياة ليست كذلك، الحياة اجمل من ان نستكثر عليها رحلة ايامنا
والحياة اعمق من أن تكون عبثية
الناس هاهنا يستغربون كيف نبتسم نحن
بل كيف نضحك نحن
نحن المعذبون في الأرض مازلنا نضح والحياة عابسة
مازلنا نعبث في وجه الأيام لعلها ترتخي وتتنازل عن صرامتها وجديتها ونظامها
لعلنا نعود لشيء من ذام الهرج
نكاد نفقد القدرة على الحياة في غياب الأصوات الحبيبة
أين تلك الأصوات والوجوه الدافئة التي ضيعناها بالأمس ؟
لا احب ان استسلم لليأس لأن الأيام الماضيات كن جميلات، ولكن هل من وجوه تعرف الإبتسام هاهنا؟
الحياة قاسية هاهنا
قاسية يا احبابي


السبت، سبتمبر 24، 2011

لو تمهلت قليلا زيدان!!


(رحل زيدان ابراهيم... صوتا من هناك)

لأن حياتنا مليئة بالإحزان... بالغربة، بالهم، بكل عيون الراحلين
نستبقيك همسا دافئا يهدهد نفوسنا ويمسح لوعة الزمن الأليم، ولم نعد انفسنا لفقد كفقدك
فالراحلون كثر
لكنك كنت دائما مشغول البال "بالي مشغول ياحبيبي" وكنت دائما المناجاة وفي كلماتك ومناجاتك ترتفع اصواتنا المثخنة بالجراحات لشيء من بواح
فقد كفقدك يازيدان..
لا يطاق
والآن
والوطن يئن بالجراح!
كأنك تهرب وقد  عز على المداواة داءنا، كأنك تخشى على الوطن فرقة اخرى وحدود جديد ترسمها البنادق.
كأنك خشيت مناظر الدماء والقتل في كل الأرجاء من وطننا اللاهث ينشد هدنة مع الدماء والقتال والتشرد
هربت ام هي البلية تزيد بلايانا فيكم جميع؟
هربت ام هو موعد أجمل؟
لمن إذا نوقد الشموع في ليالي النيل؟
لمن تتطلع العيون في شارع الأربعين إذا؟
تنتظرك المساءآت ياهذا
تشتهي طلتك العيون المتعبة بالسهر
ترحل!!
لن ترحل
" في ربوع ام در هناك"
"في ديار بتشتهيها"
نحن اسكناك هنا في قلوبنا
وانت اسكنتنا هناك في كلماتك
لكنك تغيب وتذهب بعيدا هذه المرة
ترحل بعيدا هذه المرة
وتتركنا
فلتغشاك من الله رحمة وغفران فلقد اسعدتنا وكنت نحن فكيف لا نكون نحن انت..
اللهم فارحمه وتقبله قبولا حسنا وألهم آله وآل السودان جميعا فيه جميل صبر...
إذهب زيدان فأرضنا قد ضاقت عنك...
نعدك بأن نعيد للمساءات البسمة والفرح والسلام
والنغم

الثلاثاء، سبتمبر 13، 2011

صبرا أجراس الحرية


صبرا فايز السليك

لقد منعوك عن الكتابة ومنعوا رفاقك في أجراس الحرية وجريدة الجريدة!
إنهم منعونا جميعا من القرآءة...
فأنظر كيف يمنع شعب من القرآءة..
هل يمنع شعب من القرآءة؟
صبرا فايز السليك...
ستبقى للكلمة النزيهة كل الفضاءآت الرحبة تنتظرها في كل الأحيان، من أجل أعين البسطاء من أبناء سوداننا المغلوب.
الكلمة تؤلمنا والكلمة تفرحنا، تطربنا تشجينا، ففي الكلمة سر الأشياء.
أليست الحرية حق، والكرامة حق، والمساواة حق، والديموقراطية حق؟
والحق كلمة
جعلتني اقف كثيرا أمامها حين قلت: "قلها ومت".
يا للكلمة...
أما هؤلاء فيعرفون القتل والدمار والهدم لذلك فهم يحاربون الكلمة
انهم يخشون الكلمة.
وحربهم عبئ على عواتق الشرفاء بكل الممكن من أدوات نزيهة تشبه كل وجوه أهلنا البسطاء مبتسمين، ولا تشبههم هم.
فهم من هم؟
لا نعرفهم..
من هم ومن أين أتوا؟
على أسنة الرماح؟
على فوهات البنادق؟
على ظهور الدبابات؟
أنا لا أعرفهم ولا انت ولا نحن، ولكن التاريخ كلمنا عن المغول.
لقد استيقظنا في يوم من أيام نحس على دباباتهم تجوب البلاد
هكذا جاءوا.
سنكتب كي تستمر الحياة، ولسوف نكتب حتى تستقر الحياة.
لقد كتبت على صفحات جريدتك فأغلقوها، ثم كتبت على صفحات جريدة الجريدة فأغلقوها، لكنهم حتما لا يخفون قرص الشمس ولا يحجبون ضؤها بأكفهم المرتعشة، ولقد عانقت الكلمات ضؤ الشمس واستنشقتها كل المسام.
أرسلوا الحقيقة فينا نتنفسها ولا تبالوا سنحيا بها وستحيا بها كل الربوع في بلادي.
الربوع التي مزقوها
لابد أن يذهب هؤلاء ياسيدي
فالشعب سيبقى
وهؤلاء يذهبون في المساء
وسوف تبقى الكلمات تضيء كل مسام الروح
ولسوف تبقى الحقيقة لا تندثر ولكنها على أسنة الأقلام، كلمات لا تعرف الإرتجاف، كلمات تقولها انت وانا وذاك وهذه وهؤلاء.
كلمات تحترم عقولنا (جميعا)، وتحترم انسيانيتنا (جميعا)، وحقنا (جميعا) في الحياة
وفي الوطن
فلا تيأس
إنهم قوم لا نعرفهم...

واجب الإحترام لكم جميعا
فايز السليك
خالد فضل
رشا عوض
(أجراس الحرية)
أقرعوها طبولا هذه المرة..

الخميس، سبتمبر 08، 2011

حصار " بن وليد" بقوة المنطق وليس منطق القوة (ذكريات من ليبيا)


لمن يعرف الطبيعة اللليبية وما ظلت تمثله القبيلة من مصدر فخار واعتزاز للفرد، أن ينصح الأخوة في المجلس الوطني خيرا بحوار ممثلي القبائل ومحاولة الحاقهم بركب الثورة بحسبانهم جزءا من التغيير الذي ينتظم البلاد بطولها وعرضها في مسيرة تغيير لا يمكن - بحال من الأحوال- اختزالها في تغييب القذافي عن واجهة التأثير وإنما تمتد لتشمل القطاعات الواسعة في دولة انهكها إرث عقود اربعة من الفوضى وانعدام المؤسسية وحكم القانون.
لذلك فإنه يتوجب على الأخوة في المجلس الوطني أن يجتنبوا- ما استطاعوا- كل اشكال التهديد باستخدام القوة في إخضاع مدينة بن وليد بل واستبعاده كخيار نظري من طاولة المفاوضات واستبقاءه كخيار امر واقع و أخير ومحدود لكي لا يتحول لعامل استفزاز لهذه القبائل.
هذا قطعا لا يعني عدم قدرة الثوار على اجتياح مدن (بن وليد) و(سبها) وحتى (سرت) ولكن تجارب الشعوب مع الحروب الأهلية وتجارب الشعوب مع مبدأ الإجتياح بالقوة دلت على أن الحروب الأهلية لا تفضي إلا لدمار يطال الجميع ومنطق الحرب الأهلية لا يمكن استبعاده في حال استفزت قبائل هذه النواحي من قبل الثوار، ثم إن تجربة الحلول الأمنية علمتنا دائما ان احتلال اي مساحة جغرافية بالقوة أمر ممكن ويبقى أمر اخضاعها بالكامل وفرض الإستقرار فيها عصيا على اكبر الأمبراطوريات العسكرية، ودوننا العراق يقف شاهدا على ذلك.
هذه القبائل ربما تكون متعاطفة مع العقيد الليبي او مرتبطة معه بصيغة من صيغ التناصر ولكن العامل الأقوى في تنشيط مقاومتها للتغيير في ليبيا قد يتمثل في الشعور بالإستفزاز من دخول عناصر الثوار من قبائل ومدن أخرى لمناطقهم واحتلالها في وضح النهار، هذه تعتبر من الأمور بالغة الحساسية والتي يحاول الكثيرون التقليل من اهميتها ونفيها ولكنها من أقوى عوامل الممانعة لدى عناصر وقيادات هذه القبائل التي توراثت الكثير من الصراعات الحدودية مع عناصر قبلية مجاورة لها، ولا يمكنها بحال من احوال ان تقبل دخول عناصر هذه القبائل عليها مدججين بالسلاح.
لذلك نرجوا من الأخوة في المجلس الوطني ان ينتقوا من بين مفاوضيهم العناصر الخبيرة في هذا الشأن العارفة بقدر الناس من أصحاب الحضور والذكر وتجنب التصريحات الإعلامية غير المسؤولة من الجميع بل ومحاسبة اي عنصر من عناصر الثورة يتصرف بشكل منفرد لأن الإعلام الذي قاد الثورة وحقق الكثير من انتصاراتها هو ذاته الإعلام الذي يدمر الثورة وينتهي بها لنزاع قبلي لا يعرف مداه إلا الله، ودماء الأبرياء أغلى من ان تهدر جراء تفلتات صبيانية، وقضية ليبيا أكبر من كل محاولات الظهور الإعلامي، بل وأكبر من كل سبق صحفي يمكن ان يثير ضجيجا هنا او هناك.
أن ليبيا التي انتظرت التغيير اربعة عقود تستطيع الإنتظار لشهورأخرى من أجل الوصول لحل سلمي في بقية المناطق التي تستمسك بخيارات المقاومة وذلك لعدم جدوى المقاومة من ناحية ولتعارضها مع المد الجماهيري العام الذي انتظم البلد واخيرا لعدم إفادتها حتى للنظام المنهار.
هذه النقاط مصحوبة بأهمية التحاق هذه القبائل بركب التغيير تعتبر عناصر تحفيز واقناع في ذات الوقت نهديها لشيوخنا واهلنا في بن وليد وفي سبها وفي سرت من أجل الوصول بالبلاد  لبر الأمان.


الجمعة، سبتمبر 02، 2011

لعيني إمرأة ( إعادة نشر بمناسبة أفراح ليبيا)


للذين يرتادون ليالي طرابلس الصيفية ويسمرون على مشارف البحر الأبيض المتوسط قبالة الساحة الخضراء أو ميدان الشهداء موعد يتجدد كل ليلة مع امرأة بطعم السكر.
إمراة حديدية تسري في عروقها المتراخية دماء الشباب وهي إلى ذلك مزيج من عالمنا وعالمها.
فهي تدهم عالمنا بألف سؤال وسؤال.
كنا نرتاد بعض مقاهي طرابلس الممتدة على طول الشاطي الأبيض الذي يطوق المدينة القديمة من تلقاء الشرق والشمال الشرقي، وللمدينة القديمة قصة أخرى وعشق قديم كعشق امرأة طبعت ملامحها الأبية في ذواكرنا، ورمزت لدل شفيف يخفق له شيء ما في دواخلنا.
في ليالي الصيف الوادعة الجميلة تبيع هذه المرأة بعضا من أزهار مصنوعة من البلاستيك وشيئا كالزينة و بضع من مناديل ولعب أطفال وأشياء أخرى لا أعرفها ولكنها تؤمن بفرصتها في الحياة سعيا على الأقدام، ومن خلال هذه الأشياء التي لا أعرفها،  تقتات من خطاها المسرعة الثابتة عزا يليه عز.
ترتاد الكورنيش جيئة وذهاب في دون تراخ أو رهق، تحمل وزنها ووزن بضاعتها ووزن قلبها الجسور.
تنازعنا انفسنا كثيرا ونحن نتجاذب أطراف الحديث عن جدوى الحياة، في ظل الماثل من صروف.
ماجدوى الحياة؟
يسكننا اليأس والعجز والريبة أحيانا في عدل الأيام!
لكنها امرأة بطعم السكر، وعبق الياسمين.
مرءآها مقبلة من بعيد وهي تحمل بضاعتها المتواضعة المتشاكسة المتشاكلة كان دائما يلهمنا شيئا كالأمل وشيئا كالراحة بعد جهد.
لكنها لا تهدأ.
فهي مزيج من حيوية الشباب وعزمة وصبر ومثابرة المخضرمين في الحياة.
في ميدان الشهداء تقف مناضلة يوما بيوم.
لقد مضى الصيف بهدؤه ولياليه الملاح، لكن نفوسنا المضطربة لم تهدأ في فصل الشتاء فرحنا نبحث عن الهدؤ قبالة البحر مرة أخرى.
لقد أدمنا الصيف.
ونفوسنا الحيرى والبحر وأمراة أخرى لا صيف ولا هدؤ منذ اليوم.
مرة أخرى تطالعنا صاحبة الألعاب السحرية في الرصيف تمشي بذات الإصرار والإباء، وصرير الرياح والبرد والمطر، إننا نهرب للبحر ولليل وللسمر، وإذا اشتد البرد وطاردتنا الرياح نهرب من البحر ومن الليل ومن السمر لأننا نبحث عن لاشيء في ذاك المكان سوى التماس هدنة مع التفكير، وهي قد فكرت وقررت ثم انطلقت فقط للتنفيذ.
لا شيء يوقفها.
فالعدو من ورائها والنجاة كل النجاة أمامها، وهي تمشي بخطا أقرب للهرولة، تعلمنا دروس المقاومة والنضال حتى الرمق  الأخير.
وجهها في عمر الراحة والهدأة والإسترخاء لو أمهلها الزمان لكنها فيما يبدو تفجأ الزمان بعزمتها واصرارها فلا يدركها الزمان هاجعة بداء ، وهل كداء الزمان حين يكبلنا بقيود اليأس داء؟
هذه العجوز العصامية الواقفة في وجه  الزمان لو تأملها المتأمل فهي تبعث في نفسه كل الأحاسيس التي لا تنبغي لسواها، فهي إذ تتأمل قسماتها مفجوعة في مقاديرها التي تجول بها فوق الأرصفة وعذابات الأرصفة تحت المطر وصهيل الرياح، وهي عابسة في وجه الأيام التي تضحك على المتكين لزهيد الأمل ولفاقدي الأمل ليس بينهما من فوارق!
وتبعث فيك شعورا بالأمل والوقوف مرة بعد مرة..
وتبعث فيك حزنا شجيا لقسوة الأيام.
إنها كشجر الهجاليد التي ترسل جذورها عميقا في احشاء الأرض فتظل واقفة ترتوي  في السنوات العجاف ثم لا تقتلعها الرياح.
أو كشجرة مباركة، زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء.
أو كأمرأة بطعم النضال.
لجبينها الأشم ألف قبلة وقبلة.
وليعنيها آلاف الكلمات بلا همس أو صوت.
لعينيها نظرة ثم ابتسام..
  
30/01/2010

الثلاثاء، أغسطس 30، 2011

ترى كيف هو العيد في شارع الرشيد(طرابلس)

( ذكريات من ليبيا)
ما أروعك ليبيا...

الموسم...
إنه اليوم الذي يسبق العيد، فطرا كان أو أضحية.
ولليبيين ولع باليوم الأخير بل والساعات الأخيرة قبل كل عيد من اجل ابتياع حاجات العيد، فينطلقون بكلياتهم لأكثر الشوارع ازدحاما بالباعة من ملابس وألعاب وأهازيج، من شارع الرشيد.
شارع الرشيد هذا يمثل علامة فارقة لعروس البحر طرابلس في كل الأحايين.
الليبيون يطلقون عليها عروس البحر والنهر نزولا عند هوى العقيد القذافي في أيامه الفريدات، أما النهر فهو النهر الصناعي (العظيم) كما كان يحلو للعقيد الليبي أن يسميه، وقد كان انفق عليه من أموال الليبيين مليارات فوق مليارات كي يجلب الماء العذب من عمق الصحراء لمدن الشمال.
الماء والخضرة والوجه الحسن!
لكن النهر لم يكسو طرابلس ثوبا من الخضرة فتتسمى به او بالخضرة
كتونس الخضرا التي ظل نزار قباني المتعب بعبئ محبتها يغازلها
ياتونس الخضراء...
ياتونس الخضراء، هل في العيون التونسية شاطء
ترتاح فوق رماله الأعصار؟
بحرية العينين ياقرطاج
شاب الزمان وانت بعد شباب!
اما العقيد فقد لون شوارع المدينة الجميلة بالرايات الخضراء وصور الكتاب الأخضر لعلها تخضر، لكنها المقادير
ولطرابلس البحر وجه حسن
وللبحر إطلال كإطلال المحب على حبيب، من قبيل طرابلس، يهديها من النسمات الوادعات ما يغزل مساءاتها عطرا وجمال
فهي عروس للبحر لا محالة
ثم نعود للعيد
لأننا لو لم نعد إليه فإنه يعود إلينا
ويا وجعي لو مر الموسم على طرابلس والأطفال والنساء في البيوت
لو مر الموسم وشوارع المدينة العروس فارغة من كل ازدحام
تجوبها سيارات المقاتلين حاملة المدافع
ودوي الرصاص
الرصاص والجثث المتناثرة
يا لطرابلس اليوم
ويا لشارع الرشيد
الكثيرون يحتفلون بعيدي الفطر وعيد التحرير كما يحلو للثوار ان يسموه
لعل طرابلس التحرير تكون أجمل
رغم الجثث المتناثرة، ورغم فرحة العيد  الممزوجة بالخوف وصوت الرصاص.
لعلها تكون اجمل
رغم العيد الذي يمضي على كثير من الأطفال بلا هدايا وملابس جديدة
لعلها غدا تكون أجمل
لقد كانت الألعاب النارية هي كل ما يسمعه الليبيون من فرقعات في المناسبات والأعياد، حتى استحالت لمدافع ورصاص حي في موسم العيد
تعلمون ان شارع الرشيد ينطلق بالمارة سيرا على الأقدام حتى يلتقي الرافد الآخر شارع عمر  المختار فينطلقا بالزحام نحو الساحة الخضراء سابقا ويليك إلى اليسار بوابة الحرية وسوق الذهب ومدخل المدينة القديمة حيث تنبض كل الأشياء بالعيد
ليت أهلنا الليبيين يفرحون بالعيد
ليتهم يفرحون..
ليت القلوب تنشرح من أجل الراحة بعد رهق، والحرية الحمراء قد خضبت كل الأيادي على ابوابك طرابلس الجميلة
العيد يعود إلينا يا أخوتي في ليبيا
فليتنا نعود إليه والأيادي مفتوحة للحياة وللأمل
يا لطرابلس الجميلة
دعوا العالم يعرفكم، بعد ان غطى عليكم الظلام المهيب في مسرح بلادكم
والمسرحي الوحيد، كان العقيد
دعوا الدنيا تعرفكم، وفي بلادكم عشرات الآلاف من أشجار الزيتون
فليحمل كل مبتسم غصنا اخضر
دعوهم يعرفوا أنكم كذلك وإلى ذلك، فأنتم اصحاب النجع وخيمات صاحب العقل وفكر الكوني وجدليات التليسي، والصادق النيهوم
أيقظوا اليوم شيخ الشعراء احمد الشارف من رقاده فقد اشرقت الشمس
ولا تنسوا شاعر الوطن احمد رفيق المهدوي
تذكرون سليل جبل نفوسة؟
هذا هو الشـــــــــــــعر الذي شهد الحروب الهائلات
وعليه امطرت القنابل كالــــــــــــــصواعق نازلات
خاض المعامع - لا يهاب- على الجياد الصـــافنات
حبا بتطــــــــهير المواطــــــــن من بني الإيطاليات
آليت ان يبقى إلى أن يعـــــــــــــــبر الجند القنــــــاة
إنه سليمان الباروني
الباروني الذي اشتهى وأشتهينا معه جميعا ان نرى عروس البحر في ثياب باهرات
ونرى طرابلس العزيزة في ثيابات باهرات
مابين تهليل وتكبير وتقديم الصلاة
كأن الرجل قد سافر بخياله إليكم اليوم
فلا تردوا لهفة المحب الخاطب ود عروستكم
وليكن العيد
وليت طرابلس تكون أجمل
أحبكم...


الاثنين، أغسطس 29، 2011

اشجان رمضان


تؤلميني دارلين الغالية لو تعلمين؟

بقولك جاء الشيخ عمر!!
شيخي الجليل عمر.
حياك الغمام...
لقد والله يسعدنا مقامك بيننا وحديثك الفاره إلينا بغاية غايات مطلوبنا، فطبت مقاما حيث يممت من أرضنا العطشى للبلل..
لو كان رمضان الماضي قد جاد بك إلينا وأفرحتنا ببهاء طلتك فقد جاد بك رمضان آخر اليوم، يذكرنا بكل سويعات ودقائق العام الماضي...
غير أني هذا العام لم أراك، ولم أر من يراك...
وكأنك عدت بأشجان رمضان في نفسي هذا العام..
رمضان البركة أضحى فينا عبئا أثقل من كل ما سواه من شهور السنة، ففيه تنبعث الأشجان جميعا ثم لا تعرف الرقود، وفيه يستبين المقصرون تقصيرهم مثلي، وفيه يهيم الهائمون في رونق الصفاء التهجدي البليغ ويتقاصر بآخرين عن نشواه المعهودة أشياء في نفوسهم وآلام وذنوب مثلي..
ثم تأتي شيخي الجليل وفي معيتك زاد المعاد تفرحنا به وتؤلمنا...
فالله الله ياشيخي أنا...
عندما قدمت إلينا في رمضان الماضي كانت الدنيا تحملني بعيدا عن رمضان وفي إحدى الطرقات، طرقات الدنيا كنت أمض يومها، تتنازعني رغبتان في أن أراك وفي شيء آخر، حتى مرت أمام عيناي السيارة التي تقلك يومها فجرفني حب الخير.
فوجدتني فيمن اكتظ بهم مسجد القدس ذاك الصغير. جلست إليك وفي نفسي محمولها المعهود من ألم، أواسي نفسي بطلاوة كلماتك وبشريات الخير، حتى أنساني جمال كلماتك ومزاح الكرام حين يمزحون كل آلام نفسي وكأنك خرجت بي وبكثيرين من عجلة الزمان الهوجاء التي تدور بنا في غير مقصود وتنسينا حتى محطات السفر.
عجلة الزمان الهوجاء تبعثرنا كلما اجتمع إلى نفوسنا ذات نفوسنا..
ثم لا تجمعنا إلا كلمات كمثل كلماتك شيخي الجليل.
 فالله الله يا شيخي أنا..
الله الله حين يقرأ القرآن.
الله الله حين يؤذن الآذان.
الله الله حين يدعو داع الخير يوم يدعو.
الله الله ياشيخي عمر، عندما يبدو عمر!
حين يغشانا عمر بظلاله في رمضان، وهو يرقد تحت شجرة...
حين يتمنى وللناس في الدنيا أماني
أن يرى ملأ دار من ديار  رجالا من رجال كأمثال أبي عبيدة بن الجراح..
الله الله وعبدالله بن عمر يخرج للفقراء بطعامه كل ليلة فيأكل معهم ولا يطيب له سواهم.
لقد كان أبن عمر جياش الحب للفقراء
كان إذا منعه أهله من الخروج للفقراء ومشاركتهم في طعامه كان يترك الطعام ويضرب عنه
فالله الله يا أبن عمر.
عمريون كلكم عمار
وللمتأمل في شأوكم عظيم إعتبار، نظريات رأس المال ومنظماتها المجتمعية والإشتراكية وبلوريتارياها، وكل ما أستنته الحضارات يصوب النظر إلى ظل شجرة.
شجرة تظل أميا يأوي أهل القرى، وتهفو إليه قلوبهم
إنها غاية الرحمن وسنن الرحمة في عباده الصالحين..
 فمرحا بك سيدي الكريم
الشيخ الجليل عمر عبدالكافي في طرابلس، بك وبصحبك الكرام
عمريون كلكم عمار، أي ريح أتت  بك وبصحبك الكرام
لقد كان أبوبكر صديقا آخر من زمن أهل القرى
أطيعوني ما أطعت الله فيكم
ولو عصيت الله فلا طاعة لي عليكم..
الله الله أيها الصديقون ودساتير تصاغ وتشريعات وبرلمانات ومجالس أعيان..
وي كأن شيوخنا قد فاتهم ما تقولون أيها الرائعون.
في ليلة من ليال أهل القرى عندما أشتد بأبي بكر الجوع وليس في ذات اليد ما يسد الرمق الحاصل، فيأوي لعمر، كيف يكون ذلك وعمر ليس لديه ما يشفي علة الجوع يذهب الرفيقان إلى عبدالرحمن بن عوف صاحب المال والدعة
 الله ياشيخي أين منا أبوبكر الصديق، وأمين الأمة والغفاري الذي ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة منه، لكن أبا موسى الأشعري يمر من هنا وعثمان وعلي وأبن مسعود...
أرحنا بها يابلال...
لقد أضاء من المدينة يوم أن ولد الحبيب المصطفى كل شىء
ثم اظلم منها حين توفاه خالقه كل شىء..
ويمض الزمان
وبلال يختزن سر الزمن الماض في نفسه ثم لا يؤذن
حتى طلب القوم إليه أن أرحنا اليوم يابلال
وبذكره
ثم يؤذن بلال فيبك الصحابة أجمعين
أولم يذكرهم برسول الله
الله الله يا شيخي
ما أسعدهم بدنياهم وأخراهم وما أسعدنا وأشقانا بذكرهم وذكراهم...
لكني لم أراك هذا العام..
وكأن هذا العام هو عام الغربة منذ اليوم..
إنني لم أر زمرة من أحبابي ولم أر نفسي ورمضان يمض، وكنت جعلت موعدي رمضان، وكنت انتظرت موعدي، حتى جاءتني دارلين بنبأ قدومك...
فأرقتني دارلين مرة أخرى كعادتها بي، فهي لا تدري لماذا تتداعى آلامي حين تتداعى..
دارلين تزيد آلامي في كل رمضان‘ ثم لا  تعلم كيف أكون!



ربيع الثورات العربية وخريف العلاقات العربية السودانية


ما جرى من تطورات سياسية في دول الإقليم العربي من تونس غربا إلى مصر شرقا يحمل دلالات مهمة تمثلت في الإتساق والتناغمية الكاملة في حركة الشعوب من اجل تغيير جذري لأركان النظم التي عرفتها بلدانهم لعقود طويلة، ولو قسنا عجز هذه الأنظمة العربية عن التناغم في تحقيق اي هدف استراتيجي إلى قدرة شعوبهم على حمل مشاعل التغيير من بعضها البعض لأدركنا - بيسر- أن هذه الحكومات لم تكن تعبر عن هؤلاء المحكومين.
وبذات اليسر نستطيع ان نقرأ أفكار النظام السوداني على خلفية هذه الحكومات المنهارة والحكومات الديموقراطية المنتظرة، وليس ضروريا عقد المقارنة بين شعوب هذه الدول وبين شعب السودان لوجود بعض الظروف الخاصة التي يعيشها المواطن في السودان  قد تبدو - للبعض- على أنها وقود كافي للثورة من فرط إلحاحها، لكنها عصية الإستثمار فهي كالسهل الممتنع!
و ليبقى الغد للغد.
لكننا نحتاج لبعض التأني عند دراسة هذه التطورات من جانب وتناقضاتها مع النظام السوداني من جوانب عديدة أخرى، فلو استثنينا (عدوى الثورة) التي ارتعدت لها أوصال الأنظمة غير الديموقراطية في المنطقة والسودان في مقدمتها، فقد لايبدو للكثيرين ان العلاقة بين الحكومة السودانية وهذه الدول قد تسير في غير مصلحة الخرطوم.
ذلك لو نظرنا للحضور الإسلامي الواضح الذي تمثله قوى الأخوان المسلمين في كل من تونس ومصر وما يحتويه ذلك الحضور من عناصر الطمأنينة للنظام في الخرطوم بحسبان أنه إسلامي (إخواني)، ينضاف إلى ذلك نصر الثورة الليبية وما يحمله من نذر للحركات المسلحة غربي السودان.
لكن التناقضات بل والتحديات الكامنة في مستقبل العلاقة بين السودان وهذه الدول متشعبة وعديدة ولا يمكن حصرها في مجرد (عدوى ثورية) كخطر ماحق أو (ارتباط ايديولوجي)  كعامل طمأنينة أكيد!

فالحكومة السودانية لا تتعاطى مع المشكلات المختلفة برؤيا استراتيجية بعيدة المدى لصالح تنظيم متكامل (على الأقل لو لم نقل وطن متكامل)، لإنشغالها بقضايا صغيرة لصالح أفراد داخل التنظيم، حرموها حتى من استخلاص تجربة وحنكة العديد من عناصر تنظيمها وهذا ما جعل قضية السودان كلها تتمحور في حماية شخص واحد..
فالحكومة السودانية على عكس ما يبدو لم تتخلص من تبعات علاقاتها المضطربة مع الأنظمة السابقة كمكسب سياسي جراء الثورات العربية بقدرما انفتحت امامها هوة من المشكلات الجديدة اولها هو وجود كيانات ديموقراطية مجاورة لها، وتنسحب سلسلة التحديات بعد ذلك على صعوبة المداخل لعلاقة مستقرة مع هذه النظم الجديدة، إذ رغم علاقة الإبتزاز التي كانت تمارسها حكومة مصر على السودان، إلا أن الحكومة السودانية كانت أقدر على مقايضة المواقف مع نظام مصر تجاوزا لملف محاولة إغتيال مبارك  وملف المحكمة الجنائية، بينما يصعب على الحكومة السودانية وتقل قدرتها في التعاطي مع نظام ديموقراطي منتخب يلجأ للبرلمان في تمرير قراراته ويستلهم كثيرا من قوانينه من مشاريع برلمانية يتقدم بها اعضاء برلمانيون كما هو الحال في الأعراف الديموقراطية!
ولا يخفى على ذي عقل أهمية التطور في شأن الحريات في مصر وما يتيحه للمعارضة السودانية من أريحية في العمل يحميها القانون (وليس الإبتزاز).
وبما أننا نتحدث عن مشكلات السودان الكبرى على أنها تنحصر في حماية الرئيس البشير من المحكمة الجنائية، فإن دولة مصر الجديدة ربما تكون أكثر تعاطيا مع القانون الدولي، وربما تغلب النظر لتظلمات الفلسطينيين ضد الإسرائيليين التي تنتظر على منضدة القضاء الدولي على مصلحة رئيس متهور ارتكب جرائمه عن عمد ثم جلب لنفسه - من بعد ذلك- الإدانة والمطاردة وفي هذه الحالة قد تنحاز مصر بكلياتها للمحكمة الجنائية، وهذا بدوره يفسر بشكل كبير هرولة الحكومة السودانية ورغبتها الأكيدة في تفعيل علاقاتها مع إسلاميي مصر، وربما خوفها من ان يكون الترابي بزيارته الإستباقية تلك قد سعى لتسميم الأجواء بين القاهرة والخرطوم، لاسيما وأن الترابي (ظل) يحمل في حقيبته على الدوام ملفات كل القضايا التي تهم كل ألوان الطيف المصري، بمن فيهم الرئيس المخلوع حسني مبارك، فالترابي كان يستطيع أن يدخل يده في (جرابه الحاوي) فيخرج لمبارك سيناريو أديس ابابا عن محاولة اغتياله، كما يستطيع الآن ان يدخل ذات اليد ليخرج لأسلاميي مصر ملفات التعاون الحكومي مع اجهزة المخابرات الأمريكية والمصرية ووشايتهم بكثير من العناصر الإسلامية بل وتسليم بعض منها لأمريكا ولحكوماتهم، والترابي يستطيع ايضا ان يوزع إبتساماته - تطوعا-  لكل الأحزاب السياسية في مصر ثم يعرض عليهم ملفات الحكومة السودانية المليئة بالقمع والظلم، والأبواب لدى الرجل مشرعة على كل الإحتمالات والمتضادات، فهو من جهة يستطيع تنفير إسلاميي مصر من عمالة الحكومة السودانية للغرب ولأمريكا ومن جهة يستطيع تفزيع علمانيي مصر من أصولية الحكومة الإسلامية في السودان، و في جوف الترابي تجتمع الليبرالية والأصولية ولا عجب!
ولا ارى فكرة التلاقي بين الترابي والمجلس العسكري راجحة، كون الأخير يمثل امتدادا لمصر القديمة التي لا تتسق مع خطى الترابي من ناحية ومن ناحية أخرى فالمجلس العسكري المصري محدود الأجل زمنيا.
لذلك كان حريا بالحكومة السودانية ان تهرول لمصر في مرات عديدة من أجل ترتيق الممكن وبناء علاقة مع الأحزاب المصرية عموما والأخوان خصوصا ومحاولة جس النبض ولا يمكن الجزم بإمكانية مناقشة قضية المحكمة الجنائية والحصول على ضمانات بخصوصها مهما بذلت الحكومة من وعود بتخصيص الأراضي الزراعية واستيعاب العمالة المصرية والهدايا العينية من اللحوم التي  لا يجدها مواطنوا السودان.
وهذه تمثل فجيعة الحكومة السودانية في ثورة مصر.
.
فيما يتعلق بليبيا فربما يبدو للكثيرين أن ليبيا (القذافي) كانت تمثل خطرا حقيقيا على استقرار السودان (ككيان سياسي وإجتماعي واقتصادي) والمنطقة عموما والحكومة السودانية (كتنظيم ايديولوجي) خصوصا، وهذا فيما يبدو من الناحية الإستراتيجية صحيح.
ولكنه من نواحي تكتيكية قصيرة الأجل لا يبدو كذلك، سيما وأن الحكومة السودانية تلعب على التناقضات والمستجدات قصيرة الأمد وقد كان في شخصية الزعيم الليبي الهارب ما يكفي من التناقضات والمفاجآت علاوة على عدم حماسته للمحكمة الجنائية ولكل ما يأتي من الغرب، والزعيم الليبي - لمن يعرفه-  كان خير من يقرأ المستقبل (بالطبع قياسا لأخطاءه) فهو يتنبأ بمراقد الخطر الأجنبي ( ولو غاب عليه شكل الخطر الداخلي فيما يبدو) فلم يكن ليمكن للمحكمة الجنائية سلطة قد تطاله مذكراتها يوما ما على خلفيات كثيرة وقد طالته الآن.
لذلك فالثورة الليبية ربما انهت نظام العقيد الذي ظل - على الدوام- يهدد إستقرار الحكومة السودانية من قبيل الغرب، إلا أنها من الخطر بمكان بحيث لا يمكن مقارنتها بعهد القذافي، وكيف لا يكون ذلك وهذه الثورة اعترفت بالمحكمة الجنائية منذ أيامها الأولى وتعمل جاهدة على القبض على عقيدها الفار من أجل تسليمه لها!
ولهذا السبب فلن يشكل طرد الحركات المسلحة من ليبيا وابعاد عناصرها وربما طرد حتى المواطنين السودانيين المتهمين بالإنتماء لها على خلفية علاقاتها الوطيدة بنظام القذافي بل ووقوفها معه في الحرب الأخيرة (حسب وشاية الحكومة السودانية) لن يشكل كل ذلك نقطة إلتقاء بين الحكومة السودانية وثوار ليبيا الجدد!
إذا فالثورة في ليبيا قد اتت على غير ما تتمناه حكومة السودان.
وهذه فجيعة أخرى للحكومة السودانية في ثورة ليبيا.

و لن يكون حظ الحكومة السودانية بأفضل من سابقه لو جاوزت حدود ليبيا غربا، إذ يصعب توقع حال افضل مع تونس (الثورة)  لأن المد الليبرالي على مستوى الصفوة والعامة في تونس يغلب على غيره من ناحية ومن ناحية فإن إسلاميي تونس (الأخوان) وعلى رأسهم الغنوشي يستشعرون منذ زمن ان حكومة البشير كانت خصما على العمل الإسلامي بشكل عام وبصورة أخرى فهم يدخلون مسرح السياسة في تونس وعيونهم على تجارب تركيا (نجم الدين اربكان) وتركيا (اردوغان) والجزائر (عباسي مدني) وحتى مصر (الأخوان) في نية واضحة للتصالح مع اطروحات الدولة المدنية داخليا وعدم كسب العداوات دوليا.

ويظل صراع النظام السوداني مع المحكمة الجنائية يمثل مرتكزا استرتيجيا ربما تنبني على ضؤه ملامح الفترة القادمة في ذهن الرئيس وبعض معاونيه، ولن يكون التعويل على مساندة (الأشقاء) العرب أمرا مجديا في المرحلة القادمة، عليه فاللجؤ للتخندق داخليا ربما يكون اجدى حسب فهم النظام ورئيسه والتعويل على (تجريب المجرب) في حكومة وحدة وطنية ذات قاعدة عاريضة متوهمة.

وهذا من خطل التفكير وقصر النظر، إذ من الأولى المبادرة لحل مشكلات السودان كلها تحت مظلة جميع اهل السودان تحديدا لكيفية الحكم وشكل الحكومة وتعريفا منصفا للبلد المحكوم، عندئذ ستنحل مشكلات البشير بشكل تلقائي في وجود نظام ديموقراطي وأجهزة قضائية نزيهة لا ينقصها الكفاءة والحيدة والتجرد في فتح ملفات التظلمات كلها، بحيث يقف امامها كل المتهمين بمن فيهم البشير، عندئذ يستطيع الناس تجاوز ملف المحكمة الجنائية على صعوبة ذلك لإرتباطه بتكليف صادر عن مجلس الأمن ولكنه ليس بمستحيل.

ويبقى أن نذكر أن دور الجامعة العربية التي طالما تضامنت مع البشير (في شخصه) بحسبانه هو السودان والعكس صحيح، قد يشهد هذا الدور كثيرا من التراجع في الإجتماعات القادمة بعد أن كانت قضايا السودان( البشير) هي دائما نقطة الإتفاق الوحيدة في معظم اجتماعتها.
فلربما يتم إعادة تعريف السودان في اروقة الجامعة حسب حدوده الجغرافية وتعداد سكانه، ثم تعريف البشير على انه رئيس الأمر الواقع بما في ذلك أمر القبض عليه لتتحول مشكلة البشير لنقطة خلاف لا يمكن حله عندئذ.