الصفحة العربية الرئيسية

الاثنين، أغسطس 13، 2012

قوى الهامش والقوى الديموقراطية


مصطلحات الهامش، والتهميش ومن ثم قوى الهامش الخ اصبحت من المصطلحات الأكثر تكرارا وتداولا في معجم السياسة السودانية بحيث لا يخلو منها منبر او ورقة او كتاب إلا ماندر.
نحن ندرك ما لمفهوم الهامش من جذورا تاريخية وموضوعية فرضت على معظم المفكرين والمراقبين وجملة ألوان الطيف السوداني على اختلاف مناهجهم ( إن كان لكثير منهم مناهج) ان يعترفوا بها مع اختلاف وجهات نظرهم  حول ( ما/من) عمق جذور الازمة وادى بها للإنفجار، أهو التراكم الزمني وحده، ام هو اشتداد حدة التهميش الممنهج والمقصود في عهد الإنقاذ الحالي، وهل ان نصيب الإنقاذ من الأزمة هو انها النظام الذي بلغت عنده الأشياء – من حيث التراكم- نهاياتها الزمنية فأنفجرت من تلقاء ذلك، أم أن للإنقاذيين يد طولى في تعميق الأزمة وتوتيرها...
تلك قصة تطول، لا نود بحال من الأحوال الخوض فيها ونكتفي منها بالإشارة لصعود تيار العنصرية في عهد الإنقاذ الأخير ابتداءا من سياسة حكم الدولة ككل، وانتهاءا بدور الحزب الواحد الذي انقلب على الديموقراطية وحكم القانون بحجة إصلاح شؤون البلاد حيث أنتهى به الحال للتشتت والتصدع على خلفيات عنصرية ومناطقية، فانبثق منه اجنحة عانت التهميش والإبعاد داخل الحزب (حزب المؤتمر الوطني) فأختارت الخروج وحمل السلاح تنتصر للمهمشين في أطراف البلاد من بعد ذلك!
لكن ورغم كل ذلك فإن بعض الأصوات بدت تتصدى لشيوع مفهوم التهميش كذهنية مجردة من اجل إسقاطه وتجاوزه، ليس انكارا للظروف التي ادت لظهوره او للحيثيات التي يعبر عنها اليوم، ولكن لإشتراك معظم أقاليم السودان في في جوهر التهميش من ناحية (وقد عبر الدكتور الواثق كمير في ورقته المقدمة في اللقاء التفاكري تحت رعاية  مركز الدوحة للدراسات السياسية والإستراتيجية وتحت عنوان " إسقاط النظام ام... صناعة البديل " عن هذا المعنى بوضوح) ومن ناحية  أخرى، فإن كان التهميش هو تعبير عن الظلم او هو صورة من صور الظلم، فإن كافة اقاليم السودان قد حاق بها الظلم بمعناه الشامل والتهميش جزء من ذلك.
هذه نقطة جوهرية تستحق الوقوف عندها كوننا استفرغنا وسعنا في مطاردة المصطلحات والمفاهيم الفضفاضة حتى انشغلنا بها عن كل جدوى تفكير في واقع الحال وطبيعة المخارج. وحيث انه يصعب مقارنة او اختزال كل قوى البلاد من مفكرين وأكاديميين ورجال أعمال وسياسيين وفنانيين ومجموعات دينية وعلماء دين فيمن اتكأ على مفهوم التهميش واتخذ منه محورا وفكرة ومبررا وبرنامجا لوجود مجموعته او حركته او حزبه او ناشطيه، فإن هذه المجموعة الكبيرة من الطيوف التي ذكرنا من مفكرين وأكاديميين وسياسيين لم يقوموا بواجبهم في تشريح مفهوم التهميش وإلحاقه بجملة قضايا الراهن السياسي السوداني، في حين مجموعات كبيرة منهم استهلكوه حتى فقد كل معنى.
نحن اليوم لدينا حركات مسلحة ومجموعات كثيرة وبعض أحزاب ترتبط  لصيقا بفكرة التهميش وعليه تقوم اطروحتها النظرية، والسؤال هو، لو ان اهل السودان جميعهم جلسوا وشرعوا في  حلحلة مشاكل كل السودان ومراعاة التفاوت في التنمية وفق حاجيات كل مدينة واقليم، هل سيكون نصيب هذه القوى التي أوجدها مفهوم التهميش، هل سيكون نصيبها هي الأخرى هو التهميش من بعد ذلك؟
ما نتوقعه ونخشاه هو أن التهميش ومحاربته ( عسكريا وكلاميا) قد اضحى برنامجا لمجموعة من القوى السياسية مثلما كان الإستقلال هو برنامج كل القوى السياسية السودانية التي فشلت بعد تحقيقه في خلق او تطوير أي برامج جديدة للإستفادة منه.
فهل أن القوى السياسية تقوم ثم تبحث لها عن برامج، ام ان البرامج هي التي تخلق القوى السياسية؟
مثل هذه الأسئلة ليست من باب التزيد او الفراغ والترف لو نظرنا لمجموع القوى والحركات التي تتعدد منابرها وواجهاتها السياسية بينما جميعها تتحدث عن لغز واحد هو الهامش والتهميش، ثم لا يجمعها من بعد ذلك جامع غير هذا المصطلح !
ولعل من المفيد ان نذكر ان السيد ياسر عرمان ( أمين عام الحركة الشعبية  – شمال) قد تحدث مطلع هذا الأسبوع في لقاء صحافي نشرته صحيفة سودانايل، حيث دعى لوحدة قوى الهامش والقوى الديموقراطية، وهنا يجب ملاحظة ما يرمي إليه السيد عرمان وغيره عندما يعبرون عن الهوة بين هؤلاء وهؤلاء، إذ ما الفرق بين قوى الهامش والقوى الديموقراطية؟ ذلك لم يكن حديثا عابرا كما لا يجب حمله على ذلك مهما حسن الظن، هي الحقيقة، هنالك فرق بين المجموعتين وثمة فراغ كبير في كل مجموعة منهما، هؤلاء يملأونه بمصطلحات الديموقراطية  والحرية وأولئك يحتكرون له - حسب منطقهم الجغرافي- مصطلح التهميش  ويتسمون به!
فلو كانت القوى الديموقراطية تستهدف الديموقراطية وقوى الهامش تستهدف التهميش، فما هو الفرق إذن بين التهميش والديموقراطية؟
وهل يمكن لباحث عن الديموقراطية ان يستثني التهميش والعكس، هل محاربة التهميش لا ترتبط بالديموقراطية؟
فكريا وعمليا لا يمكن الفصل بين هذه الإستحقاقات جميعها بحيث تتأسس وتتكامل في مشروع سياسي وطني واحد، ولكن واقعيا تبدو كأنها اولويات متفرقة بدليل ان عديد الحركات التي تقاتل من اجل رفع التهميش عن مناطقها لا ترتبط فكريا وجوهريا بحلول ديموقراطية وتنوعية وحرياتية وحقوقية.
ومن ناحية اخرى فإن الواقع العملي يثبت ان معظم - إن لم نقل كل-  القوى السياسية السودانية التقليدية منها والحديثة ليس لديها برنامجا والتزاما واضحا نحو حزمة القضايا الأساسية التي تبدأ بقدسية الحرية (الإنسان) والديموقراطية (المؤسسة) وحماية الحرية والديموقراطية (القانون) والإعتراف بالآخر والعمل معه (التنوع).
مهما تأخر المسير وتعطل فإن الوصول غير ممكن إلا بسلوك الطريق الصحيحة، والأولوية اليوم هي للدعوة لمثل هذه البرامج من أجل بناء الوطن والحفاظ على مكوناته  ولا بأس في إيجاد نوع من التمييز الإيجابي لمصلحة اقاليم وشرائح مجتمعية بعينها فيما بعد.
المهم عندي هو إيكال المسؤولية في مجملها للقوى المدنية المؤهلة من اصحاب الخبرات والرأي من شتى بقاع السودان وتخصيصا من مناطق الصراع والحروب والنزوح (دارفور، جنوب كردفان، النيل الأزرق وحتى الشرق نسبيا) على هؤلاء ان يقتربوا اكثر من شباب الحركات المسلحة يقومون نظرتهم للعمل ويسدون فراغ المدنية والمؤسساتية في تجمعاتهم ومن ثم محاولة دمجهم في وعاء واحد كبير يأسس لثقة الجميع في قدرتهم على قبول الآخر في الوطن وفي البناء وقدرتهم على العمل بجانب بعضهم البعض وهي من مشكلاتنا المزمنة على المستوى الرسمي والشعبي، إذ يصعب ان تجد مواطنين عاديين يجتمعون على مشروع ناجح بدون مناكفات تؤدي به للفشل، ولكنها تصبح مدعاة ( للضحك) عندما يفشل حتى انبه المتعلمين والخبراء والمؤهلين في ان يجتمعوا على مشروع سياسي واقتصادي ومجتمعي وان يعملوا تحت سقف  واحد في برلمان او حكومة او شركة او حزب!
والسؤال الأخير هو لو اننا لم نتعاون مع اخوتنا في الحركات المسلحة وفي الأحزاب المختلفة فهل يكون التغيير الذي ننشده جميعنا لمصلحة وحدة وسلامة الوطن ام لتمزيقه واندثاره اكثر مما هو الآن، لنعود لترداد قصصنا الحزينة عن نستلوجيا الزمن الجميل ؟

عبدالله عبدالعزيز الأحمر
ايطاليا – فروفينوني
14 اغسطس 2012

السبت، أغسطس 04، 2012

الحركة الشعبية قطاع الشمال وعجلة التاريخ


(ذكريات ياسر عرمان واحلام الزمان)
 قبيل عام وبضع اسابيع، إبان احداث ابيي وجبال النوب وما عقبها من تفجر الوضع في جنوب النيل الأزرق،  خرج علينا الصحفي " عادل الباز" بقرآءة للتاريخ وحركته (عجلته) يستنكر فيها فعل الحركة الشعبية (قطاع الشمال)،  كونه يقذف بالسودان في اتون حرب نتائجها المؤكدة هي خلق دولة فاشلة، مع إصراره بأن العصر الحديث لا ينحاز لما اسماه الكفاح المسلح بحسبانه ممارسة قديمة!، بل وقطع بأن دولة محترمة تقدر سيادتها لا يمكن ان تقبل بمحاورة مجموعة تحمل السلاح وتحتفظ بجيوش خاصة بها في إطار عملية سياسية !
وكان الباز في تلك الإطلالة شديد التعسف والتعجل، إذ لم يكن إنقاذيا اكثر من الإنقاذيين، بذمه واستنكاره لفعيل أعداء الإنقاذ، بقدرما كان قادحا للإنقاذيين ودولتهم من حيث اراد المدح وذلك بخلعه صفات الحكومات المحترمة التي لا تقبل بوجود قوات مسلحة أجنبية على اراضيها، أو مفاوضة حاملي السلاح، وهي وغيرها مجتمعة من صفات الذل والمهانة التي  قبلتها وتقبلها حكومة الإنقاذ التي استنت ثم افترضت على من اراد التغيير او المشاركة ان يحمل لذلك البندقية، فأستبعدت لذلك كل اصحاب المحاولات السلمية الذين " يتغني بهم السيد الباز" عن موائد التفاوض وخضعت لمن أهلتهم اسلحتهم وقواهم، تفاوضهم في كل بلاد الله وتوقع معهم الإتفاقيات المضروبة، بل وتقبل بهم شركاء في السلطة والثروة والسلاح!
لم يكن السيد الباز وقت ذاك يتحدث عن حكومة افتراضية ولكنما غره قول الرئيس البشير بأنهم سوف لن يفاوضوا " الحشرة الشعبية" وهي صفات تزيد من وضاعة النظام الإنقاذي الذي يضطر في كل مرة للعق تصريحاته ومواقفه ثم يعود مرغما لمصافحة ومحاورة الحشرات و (التيران) على حد تعبير رئيسنا الأسيف عندما وصف السيد مالك عقار بأنه رجل (تور).
وكنا قد عقبنا على مقال السيد الباز في إطالة حملت عنوان (ياسر عرمان وعادل الباز وحركة التاريخ عندنا) قطعنا فيه بعدم حاجة السيد الباز لقرآءة التاريخ عندما يعجز عن قرآءة الواقع وبالتالي فإستشراف المستقبل يصبح مغامرة مجهولة بكل المقاييس.
ثم اكدنا له ان حكومته عاجلا او آجلا سوف تخرج لمفاوضة الحركة الشعبية قطاع الشمال، وأن كان عليه التمهل ليرى ما يجري هذه الأيام إذ خرجت الحكومة تفاوض الحشرات!
بل وتتهم الحركة الشعبية بأنها لا تريد التوصل لحلول!
مشكلتنا اليوم هي ليست مع السيد عادل الباز وتحليلاته المعزولة عن دنيا الواقع، ولا مع الحكومة فقد تبين لكل شعب السودان خاصته وعامته بؤسها وفشلها، ولكن الذي يعنينا هو إعادة حركة التاريخ للوراء كما قطع بإستحالة ذلك كاتبنا المذكور في مقاله ذاك.
نعم حركة التاريخ لا يجب ان تعود للوراء، ولو قبلت الحركة الشعبية مبدأ التفاوض على وتيرة ما جرى من قبل فهي حتما ستعيدنا لذات المربع القديم.
إن مشكلاتنا في السودان قد تعقدت، وتشعبت، ولكنها في ظن العارفين تكاملت وهيئت كل الظروف الموضوعية الآن لزوال النظام الذي اججها متفرقة، وعانى المواطن والوطن كل تداعياتها، وحتى الحكومة اليوم تدرك صعوبة بل وإستحالة تحليل كل هذه الإخفاقات والمعضلات إلا بتسليمها الأمر للشعب وهو أمر مستبعد.
لم يعد ممكنا اللجؤ للحلول الجزئية لأن الحرب الآن قد شردت قبائل التماس في شريط طويل يمتد من اقصى الغرب لأقصى الجنوب الشرقي.
ولا يمكن اللجؤ للحلول الجزئية لأن ثلث الشعب السوداني ينزح خارج بلاده.
ولم يعد اللجؤ للحلول الجزئية ممكنا لأن الشعب السوداني في الأطراف وفي الوسط قد بلغ حد العجز التام عن توفير وجبة غذاء واحدة بشكل مستقر، حتى أن مواطني النزوح والملاجيء قد ينتظرون العون من منظمات الغوث والإعانة الدولية أما مواطنوا الداخل فلم يعد أمامهم ولا ورائهم ما ينتظرون سوى هبة واحدة تقتلع جذور هذا النظام الفاسد الظالم لتعيد مشكلاتهم ومعاناتهم لطاولة الحل.
في دولة محاصرة بالقرارات الدولية سياسية واقتصادية، في سبيل حماية شخص قاتل يرقص ليل نهار على اشلاء شعبه الذي يموت بنيران القنابل والجوع والمرض والأوبئة، ولو كان يستشعر نخوة الرجولة ومرؤتها لترجل من مقعده وتنحى جانبا ليواجه الشعب مصيره ويتجه هو لمجابهة مصيره أنى كان.
في دولة اصبح رئيسها واركان نظامه يدورون حول بعضهم في دهاليز المؤامرات، لم تعد معركتها مع الشعب الثائر في انحاء البلاد كلها، ولا مع الشباب المتمرد في أطراف البلاد، ولا مع السياسيين ولا المجتمع الدولي، لأن النظام الآن يخوض معركة محدودة مصغرة في القصر بين اجهزته ومراكز قواه المختلفة من اجل البقاء...
لأجل ذلك كله نقول للأخوة في الحركة الشعبية ان لا يفاوضوا منفردين، لأنهم يعلمون بل ويؤمنون بأنهم لا يمثلون كل الشعب السوداني، وبغياب قطاعات هذا الشعب لا يمكن لقضايا الشعب كله ان تحضر في أجندات التفاوض، وبغياب هذه الأجندات فإننا نعيد انتاج نسخة من الإتفاقيات الكثيرة التي رقص على انغام توقيعها الرئيس البشير كثيرا ثم لم تجدي من بعد ذلك نفعا.
كل المطلوب الآن هو تكامل الجهود بين القطاعات الحية ومشاورة كل ذوي التجربة والإهتمام ومحاصرة الحكومة بكل الوسائل الممكنة والثقة بشباب هذا الوطن وعدم إهمال التوافق الوطني حول كل الخطوات المذمعة، وتبصير الشارع السوداني بها وتشجيعه والوقوف مع تضحياته عينيا ومعنويا وتجاوز كل من اختار الإختباء والتخذيل في مثل هذه الظروف التاريخية، ولمن كان له من سهم فليرمي به اليوم وسننتصر بإذن الله.
عبدالله عبدالعزيز الأحمر
ايطاليا – فروزينوني