الصفحة العربية الرئيسية

الخميس، يوليو 21، 2011

ثم ماذا أيها السودانيون؟؟ .


هلي لي من وقفة استشراف على اعتاب يوم التاسع من يناير القادم إذ تستهل عملية الإستفتاء - غير المسبوقة-  خطواتها عمليا؟
 لو كان لي ذلك فلا أظنني سوف استنكر على اخواننا في الجنوب ممارستهم لحقهم الطبيعي في إعادة تعريف ذواتهم جغرافيا واثنيا وثقافيا بالشكل الذي يرتضون على ان يكون استشرافهم للمستقبل مبنيا على رؤى وضيئة لخبايا السياسة والإقتصاد والإستراتيجيا وقد لا تخلوا ولن تخلوا قطعا من بناء على تراكمات ثقافية واقتصادية وسياسية سالفة ارجو ان تكون بعين الدراية والتحليل المنطقي وليس الغبن والإنتقام وعقدة التظلم والمؤآمرة البليدة التي تورثنا جميعا اتكائة كسلى على حيثياتها عندما نرتب افكارنا الحاضرة فننظر لها بعين وجلة ثم إذا استشرفنا المستقبل كنا ايضا نرميه غيبا بعدم الجدوى لذات المؤامرة الخارجية.
دعوتي هذه للأخوة الجنوبيين ليست إلا كلمات وداع رقيق لإخوة لنا شاركونا ارض الوطن المضطرب علاقة قلقة هنا وهناك وكنا جميعا نرجوا ان ينصلح حالنا السياسي والإقتصادي والفكري بحيث يقوم على دور التخطيط والبناء في بلادنا أهل الدراية والعلم بالشكل الذي يحفظ الحقوق  ويوزع  الواجبات على نحو من العدالة والمساواة فندرك بعد ذلك هل كان تعايشنا معهم يمضي  لذات المصر؟.

اما سؤالي الذي يمثل عنوان مقالتي هذه فهو مصوب نحونا نحن في الشمال..
بعيدا عن (هدربات) رئيسنا الذي اصبح يطلق التهديدات مرة بتعميم الشريعة الإسلامية ارجاء البلاد وتارة اخرى بالقول أن ثروة الشمال من البترول تفوق ما لدى الجنوب وانجراره وراء هذه الهلوسات التي تنبي عن مستوى الرؤية لديه والتي تضيق زاويته كلما انفرجت زاوية الأزمة السياسية والإقتصادية والدبلوماسية عليه وعلى حكومته.
وبعيدا ايضا عن كثير من الإستجابات المتناقضة والتصريحات المتشاكسة التي يطلقها اقطاب الحكومة والتي تمثل انعكاسا لحالة القلق الفكري التي يعيشون والتي قد تؤدي بالبلاد لحالة تدهور أشد مما هي عليه اليوم.
لذلك فهذه دعوة لقطاعات المجتمع المدني وللقطاعات المستنيرة والمفكرة التي تقود زمام الفكر والسياسة  وتوجه الإستجابات أن تبتعد قدر الإمكان عن الحديث عن الوحدة الآن وقد فات اوانها، وأن لا تنظر لإنفصال الجنوب على انه نهاية الأشياء.

إننا ادعى ما نكون يا أخوتي للنظر في مستقبل السودان الشمالي كيف يكون بعد التاسع من يناير، إذ لابد للحالة السياسية في البلاد من ان تنفرج نحو الديموقراطية، والحرية، ولابد للشعب من أن يقف على الحقائق المهمة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتكنلوجيا بعيدا عن التعميم والتعتيم المنهجيان اللذان مورسا بمقادير متفاوتة من قبل الجميع حكومة ومعارضة.
لابد للشعب السوداني (المتبقي) ان يعي ويعمل على تحقيق ذاته الثقافية والفكرية والإقتصادية والسياسية من خلال رفض كل الأفكار التي تعيد تركيب أزمة الهوية من جديد في اطراف اخرى من السودان من خلال الفهم الخاطئ لإنفصال الجنوب على انه الحل النهائي لمشكل الهوية والتنوع، والتوهم بأن السودان الآن اصبح عربيا مسلما خالصا!
هذه أفكار مأسوف عليها سلفا غير أن الحيادية تجاهها قد تؤسس لنزيف جديد للجرح السوداني.
الشعب السوداني اليوم في حاجة للوقوف على حقائق اكثر أهمية من كونه يعايش ازمته يوما بيوم، وهي ان يعرف الشعب السوداني اين تقف قدماه على الخريطة العالمية اليوم، فالشعب السوداني لا ينقصه توفر المياه الصالحة للشرب والتعليم والصحة والمأوى والغذاء الصحيين فحسب – وهي احتياجات ابتدائية – ولكنه ينقصه ان يضطلع على حال الشعوب من حوله كيف تطورت وتقدمت في ظل الحرية والديموقراطية والعدالة والمساواة..

ليس الأمر رهينا اصلا بقوى اسلاموية تسوق تجارة الدين على المنابر على ان الإسلام هو الحل، وليس الأمر وقفا على شريعة او انعدامها بقدرما أنه رهين عدالة ومساواة في الفرص وفصل للمؤسسات والأجهزة تتحقق في ظل ديموقراطية تنبني في أجواء حرية تؤخذ مناكفة ومعارضة وعصيانا بالكلمة وبالموقف وبالتظاهر والإضرابات وبكل الوسائل الممكنة بعيدا عن إستخدام السلاح وذلك حفاظا على أرواح المدنيين أن تتلقفها نيران آلة الحرب التي يسخرها نظام الإنقاذ ضده.
لابد من ان نشعل كل الممكن من عصيان مدني ورسمي بين قطاعات تؤمن بالحرية والديموقراطية والتعايش حتى نحقق الفكاك من ايادي هذا الإستعمار الجديد.
هذه دعوتي يا صحاب من أجل أن يواصل الجميع التخطيط للحياة، للزراعة والرعي والصناعة والتجارة البينية والدولية وتصدير المنتجات الطبيعية وفقا للمعاير الدولية وان نتبنى نظرية تعليمية تطور ممتلكاتنا الحقيقية وان نستفيد من اسوأ حدث فتت بلادنا لصالح بلادنا وان نعد مزايا لا يخلو منها فصل الجنوب - على مرارته -  ومنها امتداد حدود دولة الجنوب من الجنوب الشرقي حتى الجنوب الغربي والتي تغنينا عن حدود دولية غير مستقرة سياسيا وامنيا، وهي من ناحية ستضعنا أمام ازمتنا الحقيقية للهوية وللثقافة والدين كسودانيي شمال، إما أن نعترف بها للمرة الأولى ونتعامل معها كقطاعات شعبية ورسمية أو أن نمتحن بها مرة أخرى في اطراف اخرى لديها من الأسباب ما لا يقل عما لدى الأخوة في الجنوب كي يطالبوا هم ايضا بالإنفصال.

إننا الآن احرى مانكون لعدم  استسهال الأشياء اخوتي والذي إن دل على شيء فإنما يدل على سذاجة فكرية عامة ومراهقة سياسية خاصة بالذين شهدوا فجر الإستقلال الأول ورسموا لنا مسارات الفشل التي اوصلتنا لما نحن عليه الآن، لا فرق بين ما يقول به رئيس النظام الآن من إصباغ صفة العروبة على جسم السودان المتبقي الآن وما ادعته قيادات الخمسينات من ان السودان بأي حال من الأحوال ليس إلا دولة عربية، إننا قد لا نغفر لجيل المائدة المستديرة ومن تلاهم ممن قطعوا علينا اواصل التلاقي الثقافي الذي يمثل تمازجات الحواضر والإثنيات المختلفة لسودان كبير واختزلوها في وعاء عروبي يضيق بها ويزدريها ويهمشها، لكننا –ابدا- لا يجب ان نقف عند السخط عليهم بقدرما نمنع عودة ذلك السيناريو البائس على النحو الذي يريده البشير اليوم، لا أدري من أي معين ينهل هؤلاء؟
أو من هم؟
أو من أين أتو؟

البشير اليوم يريد أن يعود بنا للوراء نصف قرن من زمان كي يخط لنا درب الفشل الجديد...
لكننا نشعل شمعة ياصحاب اليوم، من أجل السودان المتبقي نشعل شمعة تضيء للجميع لجنوب جغرافي جديد نعرفه بعد تجليات التاسع من يناير، وشرق وغرب وشمال...
لابد لجميع قطاعات العمل السياسي والمجتمعي في السودان ان تدفع في هذا الإتجاه، بعد إنفصال الجنوب من أجل إقامة علاقات ودية مع دولة الجنوب الجديدة ومحايدة تماما إزاء قضاياها الداخلية، ومحايدة تمام إزاء كل الجيران المتبقيين....
وقد لا اضيف جديدا لو وافقت بعض قيادات الحكومة الحالية الرأي في ان السودان الشمالي يملك من أسباب الوقوف ما يكفيه، ولكن بشروط جديدة نستصحبها دون استسهال...
بشروط جديدة فقط نستطيع ان نبني وطنا آمنا يا صحاب...


1/1/2011
طرابلس- ليبيا

ليست هناك تعليقات: