الصفحة العربية الرئيسية

الأربعاء، يوليو 20، 2011

دورنا في التغيير


استوقفني بالأمس دراسة بعنوان " المثقف السوداني وسلطة الظلامية "، ولو كان للكلمة من أثر في إنتباهتي تلك فهي كلمة المثقف ولقد أضحى يؤرقني دور المثقفين كثيرا لكونهم الفئة المستنيرة والحصن الأخير الذي نأمل أن يمثل نقطة ارتكاز وارتداد بالفعل الإيجابي معاكسا لاتجاهات سيرنا المتراجع للوراء.
الدراسة قدمها الأخ عبدالعزيز حسين الصاوي، في جزءها الثاني وكان قد فاتني مدارسة الجزء الأول منها، ولكنني عندما تناهيت إلى استيعاب مطلوبها نازعتني فكرة التغيير والتي ظلت تحاصرني وتملأ كل المساحات من حولي..
لعل الأستاذ عبدالعزيز الصاوي وكثير من الدارسين والمشــفقين على مستقبل ومصير بلادنا عندما يتأملون صيغ التجديد في الفكر الإسلامي أو  حتى دراسة المنحى الإسلامي في الحياة العامة يتأثرون سلبا بتجربة الحكم الإنقاذي الذي امتد لعقدين من الزمان وأسس للظلم وللتراجع المجتمعي وعطل الكثير من مراكز الفعل في مجتمعنا.
ليس محليا ينحصر هذا الأثر بل إن الخارطة السياسية الإقليمية الآن عندما نتأملها تصيبنا هي الأخرى بالإحباط الفكري وتتسلل إلى أذهاننا تجربة أفغانستان الطالبانية وتجربة المجاهدين " العزامية " فترتد بفكرنا وبتقييمنا – على عجل – إلى وضع الإسلام في مربع الاتهام المباشر، وقد تتداخل مسارات التفكير عندنا فلا نستبين الفواصل الطبيعية بين حياة المسلم الخاصة وتعبديته التي تربطه بخالقه، وبين حياة المسلم العامة ومعاملاته التي تربطه مع المجتمع بمحاميله الفكرية ومعتقداته المتباينة – كما بدا ذلك واضحا في دراسة الأخ عبدالعزيز الصاوي  فنتعدى بذلك على الإسلام والمسلمين وفي ذات الوقت نقدم نموذجا فكريا شائها أبعد من الفكر العلماني الليبرالي الذي يدعو لتحييد الدين واختصاره - شعائرا وعبادات – في حياة المسلم الخاصة.
يقول الأخ عبدالعزيز: (مهمة المثقف السوداني التي يحددها هذا السياق باعتبارها الاشتغال على الموضوع الديني.  هذه القضية لم تنطرح سودانيا بحدة،  كما حدث في التجربة الاوروبيه،  منذ نشوء القوي الحديثة وحتى السبعينيات ربما لان الإسلام ( باستثناء أقليته الشيعية ) متعدد ولا كهنوتي بعكس مركزية الكاثوليكية وتراتيبها كما أن الصراع بين الدولة والمؤسسة الدينية لم يكن قائما عندنا وكذلك التحالف بين الأخيرة والإقطاع.   هذه فروقات جوهريه بالمقارنة لأوروبا لذلك بقي موضوع الإسلام بعيدا عن اهتمامات المثقفين السودانيين والقوي الحديثة عموما في فترة صعودها وفتوتها مما سهل نمو الإسلام السياسي وتدرجه نحو الظلاميه.   علي ان الحدة التي تنطرح بها قضية الاصلاح الديني في مجتمعات المسلمين الآن أضحت علي نفس درجة إلحاحها في النموذج الاوروبي وقتها لاسيما بعد ان أصبحت أجندة وأسلوب عمل السلفية الجهادية هي السائدة  حتى في حركات المقاومة والتحرير). 
هاهنا يبدو الأثر الواضح للحالة الإقليمية والتي سنتطرق لها ولأهميتها في فهم الدور الذي تلعبه في توجيه الواقع الفكري لدينا وواجبنا تجاه هذه التأثيرات غير أن الأخ عبدالعزيز في بحثه هذا يتحدث عن دور المثقف السوداني وأبتدر حديثه بتجارب مقاومة وجهادية غير منطبقة بذات الوصف على المجتمع السوداني.
فاختلطت فكرة البحث القائمة على دور المثقف السوداني حيال سلطة الظلامية وانفعاله بأحداث الساحة الإقليمية والتي تشهد تجربة وممارسة مغايرة تماما لما تشهده الساحة السودانية، ناهيك عن أن التيارات الشعبية بمستوياتها الفكرية المتباينة في المنطقة تتنافى مع فكر السلفية الجهادية المتطرف كحد أعلى وتقف محايدة أو حائرة تجاهه في حالات أخرى كحد أدنى..
كما يختلط في الدراسة شأن الممارسة الشخصية والتعبدية والشأن المقاصدي العام حين يقول: ( مجال الاشتغال المطلوب علي الموضوع الديني واسع للغاية، اتساع مجال نفوذ هذه الظاهرة إذ يمتد من  الشكليات، أو مايبدو شكليات وهو في الحقيقة وسائل سيطرة ظلاميه مقصوده أو غير مقصوده، مثل عبارات الشكر والامتنان ( جزاك الله خيرا الخ.. الخ.. ) واللحية والغرة  والزى النسائي والرجالي، إلي البحث الفلسفي والفكري).  
وهذه تمثل السلوك الإسلامي القويم الذي يربي المسلم على منهجية البر والمعاملة الراقية وارتداء الزى الإسلامي بالصورة التي يراها المسلم تمثل – حتى في الفكر الليبرالي - حريته الخاصة ناهيك عن كونها مطلوبا دينيا يعتقد المسلم في وجوبيته ومأجوريته، ولا يمكن بحال من الأحوال أن ترد هذه الممارسات للظلامية بقصد أو دون قصد..
كما أسلفت فإن المفاهيم تداخلت في ذهنية الأخ الكاتب – قليلا - حينما يزعم أن المثقف السوداني يملك الرصيد من أجل معالجة الإسلام فكريا، وهذه أيضا في الحد الأدنى لاتصح إذ أن معالجة الفهم للإسلام هي المعضلة التي ظللنا نعاني من تبعاتها أما الإسلام كأنموذج فهو بعيد عن هذه الممارسات..
متابعة لتداخل ماهو إقليمي وماهو سوداني في ورقة البحث يذكر الكاتب ملاحظة مهمة إذ يقول:( إلى درجة إن هذا النوع من الإسلام في صيغته الجهادية أصبح القائد الفعلي لـ ( المقاومة ) في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان،  وفي صيغته التقليدية الاخوانية المرشح الاول للفوز في اي انتخابات ديموقراطيه؟ ).
وينتهي لفرضية مفادها أن نهاية هذه التيارات آلت بها لتسيد الساحة السياسية بالقدر الذي انفرد بها في صدارة المرشحين للفوز بالحكم!!
أليست هذه نتيجة طبيعية للفعل الديمقراطي المنبثق من ممارسة المواطن لحقه في  الاختيار؟
نحن نرجو ونتمنى أن يكون مرد الأمر لصناديق الاقتراع دوما من أجل التحاكم للشعب وهذه غاية مبتغى كل مؤمن بالحرية والديمقراطية فما الذي يغض مضجع الأخ عبدالعزيز لو كان ذلك كذلك؟
كما أن ذكره للمقاومة بتسميتها تلك يمثل شهادة خير للجماعات الإسلامية التي يسميها بالظلامية، فباب المقاومة مفتوح لكل من يرغب في المقاومة والتصدي للعدو، ولو كانت الجماعات الإسلامية هي المتصدرة للمقاومة والمناهضة للعدو فهذه شهادة خير لها وليست عليها ناهيك عن كون المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان بشهادة الأعداء كانت هي الأقدر عل قهر آلة الحرب الإسرائيلية!!
تتطرق الدراسة لنقطة موضوعية حين ترد تنامي الفكر الإسلامي لفشل التجارب العلمانية، ويرى الكاتب أن تدهور التعليم يلعب دورا في تنامي هذا المد الإسلامي، ولو قدر للمرء أن ينظر في حال مجتمع من المجتمعات فلابد وأنه ينظر لدور التعليم، ودور المجتمع ومنظمات المجتمع المدني، ونحن بحق نعاني من تدهور التعليم ولكن ليس تدهور دور التعليم وتعطيل دور منظمات المجتمع المدني وتملص المثقفين عن أداء دورهم الطبيعي هو السبب في تنامي الفكر الإسلامي الظلامي كما تقرره الدراسة التي بين يدينا إذ أن تحييد هذه الأدوار المختلفة وتعطيلها هيأ أرضية لتنامي الجهل بالحقوق الطبيعية للإنسان ومعرفة واحترام القانون وإدراك واحترام والمطالبة بالحقوق الشرعية للإنسان تحت أي نظام سياسي علماني كان أو إسلامي..
إننا أحوج ما نكون لامتلاك الحس العام بأهمية هذه الحقوق ومقايسة كل تجربة سياسية إليها وهي المواطنة المتساوية  في الحقوق والواجبات.
استقلال المؤسسات القضائية بالشكل الذي يجعل كل مؤسسات الدولة خاضعة للقانون بما في ذلك المؤسسة الرئاسية ورئيس الدولة.
ضمان الحريات العامة في التنظيم والتفكير والتعبير والممارسة اليومية والنقد والمعارضة والتظاهر.
تأسيس تجربة تداول السلطة على أساس ديمقراطي يضمن سلاسة وسلمية انتقال السلطة.
وجود دستور يأطر هذه الحقوق جميعا ويأسس قاعدتها النظرية ومرجعيتها الأولى والأخيرة...
هذه هي الأولويات التي يجدر بنا أن نرعاها ونتبناها في ثقافتنا التربوية والتعليمية والمنظماتية المختلفة وهذه هي المقاييس التي تتحاكم إليها كل تجربة حكم أيديولوجية كانت أو غير أيديولوجية، وجدية الالتزام بهذه الأساسيات يعد مرحليا هو شهادة نجاح ومرور إلى تقييم الأعمال الأخرى.
وفي تقديري المتواضع أن الاستخدام الأمثل للأدوات المعرفية والوسائط المختلفة يكون بالتنوير العلمي بحقائق المدنية وإثراء ثقافة السلم والنظام العام وكيفية رعاية العلاقات المختلفة على أساس من العدالة والحرية وتبادل الأفكار انطلاقا من علاقة الأسرة والحي ومجتمع الدولة والإقليم والعالم، والاستنارة بهدى الدين حينما نذكر هذه المثالات العليا بشكلها الإنساني والقانوني العام إذ لا أدعو هنا للاستدلال بالدين كمصدر أصيل في ظل الوجود السالب للتيارات الحاكمة بمسميات الدين والتي تخطف مثل هذه التجارب لو تحاكمنا فيها للدين وتسيسها وتربطها بمعان مطلقة ومثالات مختلقة ومبررة لغايات خفية ومصلحية تنتهي بمجهودنا للظلامية.
كما أن استبعاد الدين ومحاولة تحييده في هذه المرحلة يستنزف مجهودنا في مناكفة التيارات الدينية بمبررات التكفير ومعادات الدين كحد أعلى ويحرمنا من الاستنارة بهدى الدين والاستدلال بقيمه كحد أدنى..
هذه المحاولة التي أريد لها أن تسير في وسط الطريق تستطيع أن تضع المعيار الأخلاقي العام مقيسا على القانون، ولست اجهل أن آلية وضع القانون تثير جدلا آخر بين علمانية أو إسلامية هذا القانون، ولكننا في المرحلة الحالية والتي أضحى أعداء الحرية والعدالة والمساواة في السودان هم المدافع الأول عن القانون الإسلامي لا نستطيع بشكل من الأشكال أن نؤيد طرحهم ولا أن نقبل الاستمرار على ما نحن عليه الآن من ترد أخلاقي وقانوني وإنساني تحت هذه المظلة، إذ لابد من اتخاذ طريق بعيد عن هؤلاء ولو مرحليا.
لابد من التحاكم لقانون يتراضى عليه الناس ولو كان علمانيا وأن نتيح الفرصة كل الفرصة هذه المرة للقوانين التي تأسس للمدنية ومؤسساتها لإعادة صياغة شأن الثقافة والبناء الفكري العام، ولسوف تتسـع الحرية كعادتها لهــــؤلاء ( الشعاراتيون ) الإسلاميون من أجل إعادة صياغة أنفسهم من جديد وتقييم كسبهم ومقارنته للنحو الجديد الذي تتحقق فيه العدالة، ولهم إذا التزموا بهذه القيم  وديمقراطية التبادل السلمي للسلطة أن يقنعوا المواطن مرة أخرى  وأن يأتوا للحكم بأغلبية مريحة تتيح لهم تعديل القوانين واستفتاء الشعب فيما بعد في شرعيتها ..
حينئذ فقط نستطيع أن نقبلهم ونقبل قوانينهم..
وحينئذ فقط سيثبت أصحاب الفكر الإسلامي تناغمهم مع قيم الديمقراطية والسلام المجتمعي والعدالة والمساواة والنزاهة في الحكم..
إن النظرية الإسلامية في الحكم في ذاتها لا تأسس للظلم ولا التفرقة ولكنها بعد إقرار هذه المباد تتطور مع مبتغيات كل عصر وهذا التطور مثل الامتحان الحقيقي لكل المدارس الفكرية الإسلامية التي أسست تجاربها على هدى الإسلام، والتي كانت في غالبها الأعم قد قسمت طرائق العمل لتشمل التربية الدينية أو المجتمعية والتربية السياسية للفرد العضو في الجماعة، ولكنها – بعد كل ذلك - فشلت في أن تربي جيلا عفيفا نظيفا قادرا على الحفاظ على المسؤوليات ومراعاة المسؤولية الدينية والأخلاقية في عمله، كما أنها فشلت سياسيا في بناء كوادر تتعامل بواقعية وهدؤ بعيدا عن الصخب والشعارات والصياح، فهم في غالب حالهم يتكئون للتبرير القدري وترداد الشعارات والاستدلال بالماضي البعيد لأجل تصويب فكر ونظر الجماهير لتجارب مثالية ماضية ينفعلون بها فتعميهم عن النظر للحاضر واستشراف المستقبل بغير آمال طوباوية تربط القرون الماضية بالعقود القادمة وتقفز كل هذه التخيلات على الحاضر المعاش...
هذه هي أولويات الدراسة والتفكير لو كنا ننشد التغيير في مجتمعاتنا، واستخدام العوامل الممكنة لتصويب النظر للحاضر المتردي وآليات تغييره بشكل ملح ووضع التخيلات الواقعية للخروج من المأزق الحالي..
تتطرق الدراسة لإستراتيجية اقتلاع جذور هذه الظاهرة - على حسب تعبير الكاتب – في المدى البعيد والتي تنبني على استزراع ملكة التفكير المستقل والنقدي لدى الإنسان الفرد والجماعة، وفي تقديري أن هذا الرهان علمي وواقعي لا يخشاه إلا ذوي القاعدة الفكرية المضطربة وأصحاب المستهدفات الخفية.
إننا أدعى مانكون للتحاكم لهذه الإستراتيجية إذا كنا نثق بقدراتنا ومتانة قاعدتنا السياسية أو الفكرية.
يتحدث الكاتب – في بداية بحثه عن المعالجات - عن دور المدرسة على أنه دور تكاملي مع الأسرة والمجتمع في المجتمعات الغربية المتقدمة، بينما تدعوا ظروفنا غير الاعتيادية لمضاعفة دور المدرسة لكونها الوسيلة الوحيدة لاستعادة الحيوية لدور الأسرة ومختلف مكونات الفضاء العام في التشكيل السليم لعقلية الفرد والجماعة.
لم يقنعني هذا الطرح كثيرا على أهميته فالمدرسة هي المرجع الأساس في البناء ووحدة تطوير لا يمكن تجاوزها بحال من الأحوال بيد أن أدوار المجتمع الممثلة في الثقافة المجتمعية العامة ودور الفنون والمسرح وتفعيل دور الكتابة والقراءة وحث الناس على القراءة وتقديم الخدمات المادية المختلفة لقطاعات الشعب بطرق غير مباشرة يعبرون إليها عن طريق القراءة والكتابة ونشر دور المسرح والمنتديات ودور الرياضة والاهتمام بالفنون المختلفة وتسيير الحملات العامة تحت شعارات بيئية وصحية وتعليمية وفنية ودينية وتوعوية ورياضية حينا بعد حين، ونشر ثقافة المنافسة بين الولايات والمدن المختلفة في حملات التشجير والنظافة والخلو من المستنقعات والبرك ومكافحة الأمراض المختلفة ومناهضة الظواهر غير المقبولة ورفع عدد المنتسبين للمنتديات وعدد المحاضرات والصادرات المكتوبة والمسموعة والمرئية والمنتديات السياسية بحسبانها أحد الاهتمامات وليست كل الاهتمام كما هو الشأن لدينا اليوم..
هذه في مجملها تمثل محاولات تنضاف لدور المدرسة وهي محاولات ممكنة وتحمل نوعا من الطرافة والتشويق لأخلاقية الإلزام فيها..
تتحدث الدراسة أيضا عن التعليم ورفع شعار الإصلاح التعليمي كشعار رئيسي للمرحلة باعتباره المدخل الأهم للإصلاح الديني وهذه ملاحظة جيدة بحسبان أن الإصلاح الديني هو أحد أولويات المرحلة وليست كل أولوياتها، ولو كنا ننشد التغيير فنحن لا محالة نرتد بفكرنا لأمر الإصلاح الديني.
تقرر الدراسة بشكل مفاجئ عجز المجتمع السوداني مرحليا عن توليد قوى الاستنارة ( كون المجتمع السوداني أضحى عاجزا مرحليا عن توليد قوي الاستنارة بدرجة تجعل حتى التركيز المطلوبة علي الإصلاح التعليمي بدرجة غير كافية لتوفير المخرج، من هنا الحاجة للتفكير في مخارج مساعده).
هذه المخارج المساعدة يجملها الكاتب في أمرين:
الأمر الأول هو إعادة تكييف العلاقة مع الغرب ( أوروبا الغربية وأمريكا ) على أن ذلك يمثل اعترافا فعليا بأنه يقدم الصيغة الوحيدة حتى الآن لمجتمعات الاستنارة والرفاهية على علاتها – على حسب قول الكاتب – ثم يستدرك قائلا: ( انطلاقا من الاعتراف الفعلي بأنه يقدم الصيغة الوحيدة حتى الآن لمجتمعات الاستنارة والرفاهية على علاتها.
مع الانتباه الي انطواء هذه الصيغة على ميكانيزم للنهب والهيمنة الامبرياليه فأنه لابد من التفكير في كيفية التوصل لتوازن بين التصدي لفعل هذا الميكانيزم والاستعانة بمنجزات الغرب الحضاريه وامكانياته في خدمة اهدافنا الراهنة).
والعامل المساعد الثاني في تقدير الكاتب هو إعادة صياغة كوادر الإسلاميين الذين استفادوا من تركيز قوة المادة والسلطة في التعلم والتطور المادي وأصبحوا بذلك كالمياه الجوفية التي ترقد تحت صحراء هي صحراء الإسلاميين.
ما يعنيني من هذين العاملين هو العامل الأول المتعلق بإعادة صياغة العلاقة بالعالم المتقدم والمتمثل في أوروبا الغربية وأمريكا تحديدا والاستفادة منهما بحسبان أن مجتمعهما يقدم الصيغة الوحيدة للاستنارة حتى الآن، ولقد حركتني هذه الأخيرة ووجهت عنوان حديثي والذي يرد الأشياء دائما للداخل.
إننا أحوج مانكون لدراسة تجارب الآخرين في شأني النظام العام والممارسات القانونية والسياسية ولكننا لا نستطيع بشكل من الأشكال أن  نستورد التجارب ونسقطها على مجتمعاتنا المغايرة في كل شأنها وموروثها لما عليه الغرب، كما أن استيراد التجربة الكاملة سينقصه الإنسان فمن ذا يستوعب ما بلغته أوروبا من تطور هل هو إنسان السودان ذا الخلفية البدوية والموروث الحضاري الهش؟
إن صناعة الإنسان هي المبدأ الأساسي في أي تجربة ويذكرني مبدأ صناعة الإنسان هذا أحد الأصدقاء إذ ظل دائما يسألني ( كيف تستطيع صناعة إنسان )؟، وقد سافر هذا الصديق إلى أوروبا وتلقى دورات متقدمة في القيادة والإدارة فما بالهم لم يخبروه عن كيفية صناعة الإنسان؟
لقد عاد إلينا ولما يحدثني عن صناعة الإنسان بعد.
يبقى أن أختتم حديثي هذا بمبدأ آخر في الخطاب المجتمعي والثقافي الذي نطلقه في السودان أو في الإقليم العربي والإفريقي وهو أن نكون أكثر انفتاحا على إقليمنا - عندما نتحدث عن الظواهر السالبة - أن نتوجه بالدراسة والتحليل والمعالجات على مستوى إقليمي مفتوح لأننا نتأثر بما تعانيه المنطقة ولا نستطيع فهم حالتنا بخصوصية بعيدا عن الإقليم المحيط بنا، ومن هنا فإن تجارب المعالجة لو اتخذت سبيلا أوسع فقد تتوجه للشباب وذوي النوايا الحسنة في التغيير، وقد يوافق إحدى هذه المحاولات النجاح في أحد أقطارنا التي تشبهنا في تعاقب وتغلغل وتسلسل العلل والأزمات وقد تحمل المعالجات في جسد من هذه الأجساد وصفة نستدل بها في تتبع الأدواء بالمداوة المشابهة ..
وقد يطل علينا صديق آخر من هذه الأوطان المجاورة يعلمنا كيف يصنع الإنسان؟
ليبيا
طرابلس- جنزور
31/1/2009

ليست هناك تعليقات: